نحن مقبلون - والله أعلم - على جدب مالي، بعد كل الرفاهية التي مرت بنا منذ ما بعد سنة 1961م الى يومنا هذا.
فقد كانت الحياة ميسرة، والنفط يمدنا بكل حاجتنا من المال، والتجارة رائجة، والتنمية في البلاد تسير على قدم وساق.
ومع الاسف الشديد فإننا في الفترة الاخيرة صرنا نعاني من امرين مهمين، اولهما: هبوط اسعار النفط الى درجة متدنية جدا بحيث تؤثر على مالية البلاد، وثانيهما: المبالغة التي لا حد لها في المصروفات، وسوء الادارة المالية بشكل عام حتى اصبحنا نرى المشروعات التنموية تتلكأ او تتوقف او يرتفع رأسمالها الى اقصى ما يكون.
ولو قارنا تكاليف المباني الحكومية كل في وضعها الحالي وفي السابق لوجدنا الفارق الشاسع، وليس هذا بسبب ارتفاع اسعار المواد وحده، ولكنه ناتج - الى حد كبير - عن المبالغة في المواصفات، وتضخيم احجام المشروعات بحيث تخرج عن قيمتها الحقيقية الى قيمة باهظة.
واذا أضفنا الى ذلك فتح البلاد على مصراعيها لكل من هب ودب حتى اقامت بها اعداد كبيرة جدا من الاجانب دون عمل، ودن ان يستفيد الوطن منهم، بل انهم عنصر كلفة مؤثرة في الخدمات المتعددة، وعلى الاخص منها خدمات الصحة، اضافة الى اجور العمال المرتبطين بأعمال حكومية، وهم في الوقت نفسه يزيدون عن الحاجة بشكل نراه باعيننا، وبخاصة منهم عمال النظافة الذين يلفت عددهم الطاغي الانظار، ويكلف المبالغ الطائلة، واقل من نصفهم يكفي لاداء العمل.
اذن فنحن بحاجة الى اعادة النظر في وضعنا من عدة نواح، فالأمر اليوم غيره بالامس، وما نتوقعه اشد مما نتصوره، وما تمت الاشارة اليه هنا يوجب على كل مواطن ان يفكر في جاري الحال، ويبحث لنفسه ولوطنه عن الحل الذي يعيد الامور الى نصابها.
وهذا لا يعفي الحكومة الكويتية من القيام بدورها المأمول في سبيل اتخاذ الاجراء المناسب والحيطة المطلوبة حتى لا نتعرض الى ما نتوقعه من مشكلات، وهذا بلا شك من اهم مسؤولياتها من باب الحديث الشريف الذي يؤكد ان كل راع مسؤول عن رعيته، وتكفي هذه النداءات التي نلحظها بين الناس وعلى صفحات الصحف للقيام بما يجب تجاه هذه المشكلة التي ستحل بنا بعد سنوات الرفاه وتنقلنا الى سنوات جدباء نخاف على انفسنا وعلى أبنائنا واحفادنا من الوقوع تحت وطأتها.
وما دام الأمر واجبا وطنيا بالدرجة الأولى، فان كل مواطن مسؤول عن الادلاء بدلوه فيما قد يَعِنُّ له من آراء أو اقتراحات، فان في ذلك ما يفتح الطريق الى العلاج السليم.
ولقد تقدم آنفا اننا ينبغي ان نحرص على:
1- دراسة المشروعات والتخفيف بقدر الامكان من تكاليفها الباهظة.
2- تقليل اعداد المقيمين في البلاد دون عمل مجد.
3- التخفيف من اعداد الايدي العاملة والاكتفاء بما يسد الحاجات منها.
ثم انه ولا بد من الأمور ما يمكن ان يضاف الى هذه النقاط الثلاث، وهي امور لا يصعب تنفيذها على الجهات المختصة، بل ان من الممكن التوصل الى بنود اخرى تخفف من غائلة ما نتوقعه في الايام المقبلة.
***
ومشاركة في تقديم ما يجب طرحه من آراء في هذا الشأن فاننا نعود قليلا الى تاريخنا لنجد مدى اهتمام ابناء الكويت بمصالح وطنهم، ولنجد تعاونهم في جميع الامور، وفي هذا المجال نقدم مثالا ينبغي ألا يمر عليه مرور الكرام او ان ننساه، وهو ما حدث قديما في فترة حكم الشيخ صباح بن جابر بن عبدالله، وهو والد الشيخ مبارك الصباح، وقد تولى الشيخ صباح حكم البلاد في سنة 1859م، وتوفي في سنة 1866م، وورد عنه ما يدل على استقامته وعمله الدائب في مصلحة الكويت واهلها.
ذكر عنه الشيخ يوسف بن عيسى القناعي في كتابه «صفحات من تاريخ الكويت» انه كان في حياة والده ابكر مساعد له، وعندما تقدم السن بوالده آلت الاحكام كلها اليه.
ووالده جابر بن عبدالله هو المشهور بقولهم: جابر العيش، لكرمه واطعامه الأرز للمحتاجين.
وجاء عنه ان ايام حكمه كانت كلها هناءة وسعة في المعيشة، وفي وقته تقدمت التجارة، وقد وجد انه من الافضل ان تزداد موارد البلاد المالية، فعزم على وضع رسوم على البضائع الصادرة من الكويت، وعندما علم تجار البلاد بهذه النية عنده، زاروه، وابلغوه بأن الرسم على الصادر ليس في مصلحة التجارة الكويتية، بل هو يضر بها كثيرا، ويعيق تقدمها.
وفي مقابل ذلك عرضوا عليه عرضا يدل على صدقهم ومحبتهم لوطنهم حين قالوا له: «ان كنت في حاجة الى الاموال فما عندنا شيء يعز عليك».
هذا هو موقف أبناء الكويت الحقيقيين الذين لا يدخرون مالا تحتاج اليه بلادهم، ونحن اليوم في موقف يشبه ذلك الموقف التاريخي الذي جرى قبل سنة 1866م، فماذا نحن فاعلون؟ ان الحديث عن الضرائب يتكاثر والحديث عن الغاء الدعوم المختلفة يزداد حدة يوما بعد يوم، فهل ننتظر الى ان تصل السكين الى اعناقنا دون ان نتقدم بما يجب علينا القيام به أسوة بآبائنا الأولين الذين عرضوا كل ما يمكلون دون تردد حتى لا تحتاج بلادهم الى مال، ولا تنقص ميزانية الكويت شيئا.
ان الفزعة مطلوبة، وهذا هو اوانها، وهذا هو دأب أبناء هذا الوطن الذين لم يتأخروا عن نجدته، ومن اجل ذلك يأتي هذا الاقتراح:
هناك امر سهل تحصل الدولة بسببه على مساهمات طوعية يقدمها الاهالي كل بقدر استطاعته.
وذلك عن طريق تبرع مالي يقدم لهيئة يتم انشاؤها لهذا الغرض وهي بدورها تقوم بتنظيم الموارد واستثمار الاموال، ثم دفعها بالأسلوب الملائم الى مالية الدولة.
وانا هنا اتقدم الى اهلي من ابناء وطني وانا على ثقة من انهم لن يقلوا حماسة لدعم بلادهم عما فعله الاجداد ايام الشيخ صباح بن جابر بن عبدالله (1859-1966م) لان الروح الوطنية واحدة، ومحبة الوطن لا حد لها عند الجميع من سابقين او لاحقين.
ولهذا فانني اقترح ما يلي:
«كما سبقت الاشارة فان من المطلوب في يومنا هذا ان يساهم كل مواطن بما يقدر عليه من مال يدفعه بالطريقة التي سنقترحها هنا، وهذا لا يخص الرجال وحدهم، ولكنه يشمل النساء والأطفال، وبذلك فإن كل كويتي سيرى نفسه مساهما في دعم وطنه، ودفع الشر عنه».
ومن أجل ذلك ينبغي أن يتم ما يلي:
1 - تكوين جمعية عمومية مشرفة على المشروع المشار اليه، تتكون من بعض الهيئات الحكومية ذات العلاقة، ومن البنوك الوطنية والشركات وهيئة الاستثمار والصندوق الكويتي للتنمية.
2 - يكون دور هذه الجمعية هو الإشراف على تنفيذ المشروع بكامله، معتمدة على:
أ - جمع الأموال.
ب - استثمارها.
ج - تحويل ما تراه سنويا الى ميزانية الدولة.
3 - ومن أجل ذلك يكون للجمعية مكتب تنفيذي يتولى المتابعة وتنفيذ ما يصدر من قرارات.
4 - يصدر المكتب التنفيذي بطاقات من أربع فئات هي: الدينار، وخمسة الدنانير، وعشرة الدنانير والعشرون دينارا.
5 - يتولى المكتب التنفيذي الدعاية الواسعة للمشروع، وتسهم الهيئات الحكومية والأهلية بلا مقابل في القيام بدورها في مجال الإعلام عنه.
6 - يقوم الأهالي بالتقدم الى الجهات التي يحددها المكتب التنفيذي، وذلك لشراء ما يقدرون عليه من بطاقات، يكون مردودها على الدولة ماديا، وعليهم فخريا.
7 - ليس للمساهمة في شراء البطاقات زمن محدد، بل ان العمل في هذا المشروع مستمر، وبصورة لا تنقطع.
8 - يعرض المكتب التنفيذي على الجمعية العمومية ما يراه من اقتراحات بشأن تكريم أولئك الذين يداومون على شراء البطاقات ويحرصون على تقديم بعض ما يملكون من مال لصالح الوطن، وتُعدُّ بهذه المناسبة حفلات سنوية من أجل التكريم، وهي في الوقت نفسه حافز للجميع، ولا مانع من أن يشمل التكريم الرجال والنساء والأطفال، كل بحسب ما يدفعه من فئته، وستكون البطاقات التي يجمعها أفراد كل أسرة بمثابة تراث وطني يفخر به كل فرد من تلك الأسر.
9 - سيكون هذا المشروع مثاليا ومعبرا عن روح المواطنة الصادقة، وسببا مباشرا من أسباب الاحتفاظ بالمكتسبات المادية الشعبية.
10 - الأمل كبير في أن يتم تنفيذ هذا المشروع الرائد الذي سيرفع اسم الكويت عاليا، ويزيل عنا هَمَّ التوقعات السيئة.
11 - يمكن لكل مقيم في الكويت أن يشتري ما يشاء من البطاقات المعروضة، مساهمة منه في الجدوى المطلوبة منها.
12 - كما أن للشركات بجميع أنواعها، ولأصحاب المتاجر، شراء ما يشاءون من البطاقات دون تحديد لكمية أو ثمن، بل ان عملهم هذا مطلوب كما هو مطلوب من الأفراد.
***
لا أدعي أن هذا هو كل شيء لعلاج الموقف، بل ان هذا الذي قدمته هو ما خطر ببالي، وهو اقتراح قليل الخطورة.
ولكن الاخوة أبناء البلاد لا بد أن تكون لهم اقتراحات بناءة أخرى.
ويكفيني أنني قد رميت الماء الراكد بحجر.
حتى نخرج من القيل والقال دون أن نصل الى نتيجة يرتاح اليها الجميع.
حفظ الله بلادنا وأهلنا من كل مكروه.