تعود لي الذاكرة بهذه الكلمات عندما اقرأ او اسمع عن بعض المواطنين الذين يتم زجهم بقضايا لا حول لهم فيها ولا قوة، او يتورطون بسبب خاطئ، وعليه ينشدون مساعدة الحكومة والتي لا تتأخر أبدا عن الاستجابة لنداءاتهم عن طريق السفارات الكويتية وأحيانا من خلال مساع وجهود مباشرة من وزارة الخارجية وقد تصل في بعض الحالات الى أعلى المستويات بالدولة .
قالتها احدى العجائز من اعماق قلبها ومن خالص طيبتها لأحد الطلبة المبتعثين الكويتيين عندما اشترى غرضا وبخلاف العادة شعر انها اخطأت بالحساب وأرجعت له اكثر من المستحق، فبعد ان تأكد من ذلك استدار مباشرة وعاد لها بقوله العفو يا سيدتي فإنه يساورني الشك بأنك لم تأخذي حقك بالكامل فأجابت ليس لي حق فإنني اعمل في هذا المحل مقابل اجر اسبوعي، ابتسم وقال قد أكون ضعيفا باللغة الانجليزية ولم احسن التعبير، ولكنني متأكد لتفوقي بالرياضيات وبكل معاني الاستغراب قالت له: اعذرني يا بني لم أفهم ما تعنيه رجاء (وهذا أسلوب المتحضرين)اخبرني عما تودّ قوله، وبعد سرد القصة فهمت ان المبلغ الذي قبضه اكثر من المستحق وأنه يودّ إرجاع الباقي لها مراعيا الأمانة في التعامل.
نظرت اليه بإعجاب كثير واحترام كبير وقالت: كم تمنيت ان يكون لي ابن بعمرك، وبالأخص يملك الشجاعة والأمانة، وزادت على ذلك بما اتصف به من خلق، ولكن اخبرني يا عزيزي من أين أنت؟ أي ماهي جنسيتك؟ فأجابها بكل طيبة، حيث رأف بشعورها وحالها مستذكرا حنان والدته ودعواتها له بأن يتحلى دائما بالصدق لأنه ما وُجد في نفس الا زانها، وكذلك ما حفظه من وصية والده الذي قال له كلمات بسيطة بالعدد عظيمة بالمعنى قبيل ان يغادر وأثناء توديعه بالمطار (بني، أودعتك الله، احفظ الأمانة التي تربيت عليها، فإن لم تستطع ان ترفع رأسي فلا تخفضه).
ورد الفتى على السيدة بكل هدوء وثقة: أنا مسلم من الكويت بلاد العرب وهذا ما كان يطبع على الكتب المدرسية والرسمية في تلك الأيام!.
فمدت يديها بكل قوة وحرارة وصافحته، وقالت: انك فتى ناضج ويبدو ان والديك قد احسنا تربيتك، واستطيع ان أنبئك بأنك اتيت من بلد يعم بالمشاعر الإنسانية الصادقة وأنك خير من يمثل بلدك وأنت سفير صادق أمين، وان كنت طالبا بسيطا فلك كل التقدير وأتمنى لك كل التوفيق، واعلم بأنه ان كنت بعيدا عن اهلك فنحن وجميع أفراد عائلتي نتشرف بأن نكون البديل المناسب لك في غربتك في هذه المدينة، وبابنا مفتوح لك وقتما شئت.
هذه القصة ليست الا واقعة بسيطة من ملفات الحكايات التي تضمها قلوب وتحفظهما ذاكرة الكثير من ابناء الكويت عندما يسعون في مناكب الأرض، سواء طلبا للعلم او الرزق او السياحة قديما وحديثا، ولها ابعاد كثيرة للمتأمل الجاد، ولها معان سامية لمن ينشد الصفاء أينما كان.
فإنه من اهم الواجبات علينا وما يصون سلامتنا وأماننا ومفتاح سعادتنا ان نراعي مايلي:-
٭ قبل ان يحكم المرء إغلاق حقائبه من الأولى ان يحكم أعصابه ويتوقع غير المتوقع اثناء السفر.
٭ لا تستغرب، فالبيئة الآمنة التي تلامسها لا تخلو أبدا من المتربصين الذين يظهرون الطيبة ويخفون الوجه الآخر من العملة فالحذر واجب في جميع الأحوال.
٭ التزم بأعراف المجتمع الذي تزوره وتقيد بقوانين الدولة ولا تتساهل أبدا لربما تدفع الثمن غاليا.
٭ كن خير مثال لأهلك وبالتالي ستكون سفيرا متطوعا لبلدك الكويت فهي ملاذك الأخير فلا تبخل عليها لأنها تستحق الكثير.