قبل ان تُخلق البشرية بآلاف السنين قدّر الخالق على الخلق رزقهم وسعادتهم وشقاءهم.. الخ، ولكل شخص منا يتم ذلك عندما ينفخ الملك في رحم أمه وهو في شهوره الأولى.
وقد يعتقد البعض ان الرزق هو المال والثروة، وهذا حق الى حد ما، بيد ان رزق الانسان الذي كتب له في السماء يتمثل في جوانب عديدة، اضافة الى المال، فعندما يرزق الانسان بزوجة طاهرة عفيفة فهذا رزق، وعندما يهبه الله ذرية صالحة فهذا رزق، وعندما يؤتى علما نافعا فهذا رزق، وعندما يتبوأ منصبا فهذا رزق، وعندما يقطن في سكن فيه سعة وراحة فهذا ايضا رزق.. وهلم جرا.
وان كانت مسببات الأرزاق ظاهرة للعيان في مختلف بقاع العالم، عندما يفني الانسان حياته في العمل الدؤوب الحلال والتنافس الشريف في التجارة والاعمال ليكتسب ما يعول به نفسه واهله وذويه، الا ان القرآن الكريم في الآية الجليلة في سورة الذاريات « وفي السماء رزقكم وما توعدون» يدلل على ان الرزق المقسوم والحظ الوافر في الغيب عند الله في السموات العلا.
فعلى الانسان الا يغتر بأي نمط من الارزاق كما ذكرناها في صدر المقالة، بأن ذلك من عرقه وكده، وان كان ذاك حقا، الا ان مسببات الارزاق وتوزيعها بيد خالق البرية سبحانه، وان كان على الانسان ان يكد ويشقى ويعمر الارض كما امره الله تعالى فعليه الا يحصر ذلك على نفسه وجهده، وانما يرجع امره الى الله الذي قدر رزقه في السماء، ليستدل بذلك على مسبب الاسباب جلت قدرته، ليكون ضميره وخلقه موصولة بالسماء وان كانت قدماه راسختين في الارض.
وتبعت هذه الآية الكريمة قوله «فورب السماء والأرض إنه لحقّ مثلما أنكم تنطقون» حيث يقسم تلألأت اسماؤه بذاته العليا لتصديق ذلك، لتزداد بذلك الحقيقة المقسم عليها (الرزق) تعظيما.
بيد ان السياق يوجب علينا ان نفرق بين الرزق الحلال والكسب الحرام. فكثير من الخلق يعتمدون على رواتبهم او تجارتهم واعمالهم بالحلال، ليكون بذلك لقمة سائغة هنيئة لهم ولذويهم. وهنالك رهط دأبوا على النهب وتيمم وجوههم الى كل ما يغضب الله ورسوله من خلال ما كسبوه من رزق كما اسلفنا. وهؤلاء، ولعمري ستكون عاقبتهم وخيمة لا ريب.
في اثناء غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم اخبرهم بأن فلانا وإن قتل، الا انه من اصحاب النار. فلما ذهبوا ليكتشفوا امر ذلك، وجدوه قد اخذ عباءة او كسوة من غير حق، اي غلها فسبحان الله، ألا يجب ان يدكر الإنسان بذلك الحادث؟!
وما على الانسان اذا ما ابتغى الرزق الطيب لا لينعم به اهله فحسب بل ولينال رضا الله ورسول، وفيه لا ريب نعيم الدنيا والآخرة.
ولنا في اصحاب المزارع والجنان - كما وردت قصتهم في سورة القلم - عبرة اذ عندما يفتح الله على الناس بباب الرزق قرروا، ان يذهبوا الى مزارعهم قبل الفجر ليحصدوا ويتصرفوا بالثمر قبل ولوج الفقراء والمحتاجين. فما كان رد السماء عليهم؟ ارسل الله عليهم امرا فأصبحت جنانهم هباء منثورا كالصريم عقوبة لتصرفهم السيء في بركات السماء.
[email protected]