كان للاديب المصري الراحل مصطفى لطفي المنفلوطي، رحمه الله، عطاءات جمة في عالم الأدب المتمثل في التدبر والحكم وسير الصالحين للاقتداء بهم، لعل وعسى. وسنذكر في هذا المقال بعضا من تلك النظرات علها أن تكون عبرة لنا.
اعتاد أحد الصحابة يدعى أبو دجانة أن يكون في صلاة الفجر خلف المصطفى عليه وعلى آله وصحبه اجمعين أزكى الصلاة وأتم التسليم، بيد أنه ما كان ينهي صلاته حتى يخرج من المسجد مسرعا دون الاستغفار وخلافه.
فاستلفت ذلك نظر قائد الأمة عليه السلام فاستوقفه وسأله عن أمره وأليس لك عند الله حاجة؟ أجاب بلى يا رسول الله ولا استغني عن ذلك، فسأله خير الخلق عليه الصلاة والسلام: إذن لماذا لا تنتظر حتى تسبح بعد الصلاة معنا وتغدو؟
انظر يا عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة وتمعن في رد من تربى في صحبة النبوة الطاهرة، قائلا السبب في ذلك يا حبيب الله أن لي جارا من اليهود له نخلة فروعها في صحن داري، فإذا ما هبت الريح ليلا سقط الرطب عندي، فتراني اخرج مسرعا لاجمع تلك الرطبات واردها الى الجار اليهودي قبل أن يستيقظ صبياني فيأكلوا منها لأنهم جياع. وأقسم لك يا رسول الله انني قد رأيت أحدا أولادي يأكلها يوما ما جوعا فوضعت إصبعي وأخرجتها من فيه قبل أن يبلعها ولما بكى من الجوع قلت له: أما تستحي من وقوفي أمام الله سارقا!
تابعوا اعزائي خلق صحبة النبوة، هؤلاء هم اصحاب محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وكرم خلقهم، إذ عندما سمع سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه ذلك، ذهب واشترى من اليهودي النخلة ليهبها لأبي دجانة وعائلته حلالا بلالا.
ولم تنته هذه العبرة والنظرة الى ذلك الحد، إذ إن ديننا هو دين التكافل والتسامح، فعندما علم الجار اليهودي بحقيقة الأمر، أسرع من جراء خلق سيدنا أبو بكر وأبي دجانة رضي الله عنهما ـ مع أولاده وأهله الى سيد الأمة عليه الصلاة والسلام معلنا دخوله في الإسلام.
فهذا أبو دجانة خاف من هول يوم القيامة من أكل رطب ساقط في بيته ليهودي، فما بالك بمن؟
يحكى أنه في غابر الزمان ان احد السلاطين سمع عن جارية يتجاوز سعرها مائة جارية فارسل لها ليرى ما يميزها عن سواها! فوقفت أمامه بشموخ عظيم لم يعهده من الجواري، فسألها عن سبب غلو سعرها، فأجابت لذكائي المفرط، فأثار كلامها فضوله وقال: سأسألك لو اجبت اعتقتك، ولو لم تجيبي قتلتك، فوافقت.
السلطان: ما أجمل ثوب؟
الجارية: هو القميص الوحيد لفقير لا يملك غيره يراه مناسبا صيفا وشتاء.
السلطان: ما أطيب ريح؟
الجارية: هي رائحة الأم حتى لو كانت نافخة للنار في الأسواق.
السلطان: ما أشهى طعام؟
الجارية: ما كان على الجوع، فالجائع يرى في كسرة الخبز الجافة لذة.
السلطان: ما أنعم فراش؟
الجارية: ما نمت عليه وبالك مرتاح، فلو كنت ظالما أو سارقا لرأيت فراش شوك من تحتك.
السلطان: ما أجمل بلد؟
الجارية: هو الوطن الحر الذي لا يحكمه جهلة طغاة.
أجادت الجواب فنالت حريتها وتكريمها.
فهل لأجوبتها عبرة؟!
رحمك الله يا المنفلوطي.
[email protected]