[email protected]
نحن في زمن تحولت فيه البيولوجيا سلاحا للأيديولوجيا.. كيف؟
كلنا نعرف أن البيولوجيا أحد فروع العلوم الطبيعية وهو علم يعنى بدراسة الحياة وأشكالها المتنوعة ويبحث في كيفية التعامل بين الكائنات الحية بعضها مع بعض ومع البيئة التي تعيش فيها.
الأيديولوجيا: النسق من الآراء والأفكار السياسية والقانونية والأخلاقية والجمالية والدينية والفلسفية والتنظيرية الاستراتيجية!
والسؤال المتبادر إلى الذهن هو: كيف يمكن لعلم (البيولوجيا) الخاص بحقل معرفي مادي طبيعي أن يحول الى (أيديولوجيا) تخص عالم الأفكار والاتجاهات ذات الأثر في أنماط السلوك الإنساني؟ وكيف يوظف العلم لصالح الشر؟
بمعنى أدق وأشمل: أي كيف يمكن للبيولوجيا وهو علم حيادي معياري صارم في أدوات بحثه وشروط قبول نتائجه، أن تصبح أيديولوجيا التي من سماتها الاستجابة للتحيزات والأهواء والمصالح والخضوع للثقافة السائدة وأثر البيئة وسيطرة قوى الشر!
كل هذا وأكثر تجده عزيزي القارئ في كتاب: البيولوجيا عندما تصبح أيديولوجيا.. عقيدة الحمض النووي، والذي ألّفه د.ريتشارد ليفونتين عالم الأحياء الأميركي وله تطوير (رياضي فيزيائي) شمل الوراثة السكانية والتطبيقات البيولوجية والتباين الوراثي وحصد العديد من الجوائز العالمية ودرس في جامعات كولومبيا وهارفارد كوليدج وله العديد من البحوث المحكمة والكتب وقام مركز «رواسخ» بترجمة هذا الكتاب القيم الذي قدمه د.محمد العوضي وترجمه الى العربية فهد عبدالعزيز وأسامة خالد وصدر في عام 1440هـ - 2019م.
الحقيقة أنا شخصيا آمل أن تجد مثل هذه السلسلة من المقالات القبول لدى القارئ في داخل الكويت وخارجها، ولعل هذا ما جعلني أستمر في طرح مثل هذه الكتب العلمية ما يثري ويرضي (عقلية القارئ) خاصة أولئك الذين لديهم شباب بحاجة الى من يجيبهم عن تساؤلاتهم العلمية، وأن تكون هذه المقالات إثراء لذاكرتهم خاصة ونحن نعيش اليوم عالما تحتاج فيه أسئلتك الى من يجيب عنها وأنت واثق بأنه معك في هذه الحياة يتبنى احتياجاتك الكثيرة من جهة ترد عليك وأنت تثق بها مثل مركز «رواسخ» الذي يعالج القضايا الفكرية المعاصرة وفق أسس عقلية وعلمية ومنهجية وبأسلوب مؤصل من خلال تأليف وترجمة الكتب والبحوث التي تتبنى قضايا هذا العصر ومستهدفة مختلف الشرائح المجتمعية في هذا الكون الكبير وعبر الأجهزة الذكية التي حولت العالم كله في حالة تواصل نحو المعرفة وعصر المعلومات المتدفقة وعصر القرية الواحدة!
الكتاب الذي أعرضه اليوم على القارئ الكريم يحتاج منا جميعا الى فهم ما يصدر من علماء الطبيعيات أنفسهم حول تأثير الأيديولوجيا الاجتماعية في تفسيراتهم العلمية.
إن العالم يتطور وأجيال اليوم في الزمن الكوروني بدأوا يعايشون الواقع، ولهذا تفكيرهم نوعي وسيسهم في قفزة الواقع الإنساني وبين حياد العلم في ذاته وبين تحيزات العالم الخاضع لخريطته الإدراكية ومشربه الفكري ومصالحه الخاصة وأيديولوجيته وتعصبه لها، وأثر كل ذلك في توجيه بحوثه العلمية!
ولهذا كله، أشكر مركز «رواسخ» الذي اختار هذا الكتاب القيم لترجمته وإفادة القارئ الكريم.
في قراءة متأنية للمؤلف الكاتب ريتشارد ليفونتين تدرك أنك أمام موسوعة أحياء بشرية متحركة بصفته رائدا في علم الوراثة واهتمامه بالتكنولوجيا وانتقاداته على مظاهر من الداروينية الجديدة، كما أن اهتمامه بالتكنولوجيا وانتقاداته مظاهر من الداروينية لافت للأنظار، فلا عجب أن يطرق عنوانا مثيرا تحت عنوان: البيولوجيا عندما تصبح أيديولوجيا!
٭ ومضة: هذا الكتاب الذي بين أيدينا كان عبارة عن محاضرات أقيمت تحت عنوان: البيولوجيا عندما تصبح أيديولوجيا: عقيدة الحمض النووي، وأذيعت في نوفمبر عام 1990 كجزء من سلسلة أفكار إذاعة راديو سي.بي.سي الكندي التي افتتحت في عام 1961 يعطي المفكرين المعاصرين حينذاك معالجة القضايا المهمة لعصرنا وبثه عبر الأثير لفت اليه وهذا يوضح حجم التأثير الإذاعي حينذاك!
يقول ر.س ليفونتين المدرس في كامبريدج ماساتشوستس في عام 1991 معلقا على محاضراته التي أذيعت لمستمعي الراديو غير المرئيين:
إذا كنت نجحت في الأمر إلى حد ما فأنا مدين بذلك الى النقد البناء لجيل آيسن Jill Eisen من «سي.بي.سي» التي جعلتني أعيد المحاضرات مرارا حتى تكون صحيحة، كانت المحاضرات لتكون فشلا ذريعا لولا عملها وتشجيعها.
عند تحويل المحاضرات الى هذا الكتاب قاومت فتنة الرجوع إلى الخطاب المنهجي للإنتاج الفكري المكتوب وحافظت بدلا من ذلك على محاضرات الراديو كما هي تقريبا بشدة إلى (شاون أوكيه) لتحريره لهذا النص بلمسة خفيفة وسديدة لا تخطئ فقد وضع العديد من التحسينات، وأدين بالفضل (لرايتشل ناسكا) لإنتاجها نسخا عديدة من المحاضرات معتمدة على الشرائط غير المفهومة ما كان لشيء يصدر لولاها.
٭ آخر الكلام: البيولوجيا حين تكون أيديولوجيا هل العلم هنا محايد؟ أم أن للعلماء والمفكرين الباحثين (أجندات) سياسية واجتماعية وبيولوجية وأيديولوجية؟
نظرة الى الواقع نجد بالفعل تحقق القول: لعبت البيولوجيا دورا مهماً في خدمة الأيديولوجيا!
٭ زبدة الحچي: كتاب البيولوجيا عندما يصبح أيديولوجيا، عقيدة الحمض النووي (مؤلف علمي) يستحق القراءة والاقتناء لأنه باختصار محاولة جادة لبيان ما قد يغيب عن الناس ما يفعله العلماء المختصون بالعلوم وفروعها وما ينتج عن عملهم واجتهادهم من علم ونظريات تسعى للتحرير والمساواة خاصة عندما تكون من عالم الأحياء التطورية مثل ريتشارد ليفونتين والذي ساهم وأبدع في علم الأحياء وبين أدوار هذا العلم في تبرير التفاوت بين الطبقات الاجتماعية وبين الجنسين وبين الأعراق بدعوى أن هذا طبيعي ولازم وطرح نظريته البديلة بالدفاع عن حركات التغيير التي تسعى للتحرر والمساواة!
الأيديولوجيا.. هي علم الأفكار وهو مفهوم متعدد الاستخدامات والتعريفات وهو اليوم (مفهوم محايد) باعتباره نسقا من المعتقدات والمفاهيم (واقعية - معيارية) تسعى لتفسير ظواهر اجتماعية معقدة من خلال منطق يوجه ويبسط الاختيارات السياسية ونسقا قابلا للتغيير استجابة للتغيرات الراهنة والمتوقعة سواء أكانت على المستوى المحلي أو العالمي.
أيها الآباء وأيتها الأمهات في مشارق الأرض ومغاربها، حصِّنوا أبناءكم بالدين والإيمان لأن عصر الإلحاد والكفر البواح قادم.. فماذا أنتم فاعلون؟
في أمان الله..