[email protected]
أقبل على النفس واستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
اشتكى لي أكثر من صديق من الوافدين أنهم في هذا الوقت الذي طال مع جائحة كورونا (كوفيد ـ 19) لاحظوا لأول مرة أن زوجاتهم مع خروجهم بعد الحظر إلى الأسواق والمولات وشاطئ البحر بدأن يدققن معهم في (غيرة كورونية) لم يلحظوها من قبل!
الحقيقة أنني لست بالطبيب النفسي الذي يمكن أن يقدم لهم العلاج المناسب، وإنما أتكلم عن تجربتي في الكتابة المشابهة لهذه الأمور، فالإنسان، أي إنسان يشعر بالغيرة وليس منا من لا يشعر بالغيرة في وقت ما!
يمكن أن يكون هذا الشعور خفيا لم يظهر في السابق، لكن مع ظروف الحظر وضيقة الخلق وما ترتب عن كل هذا من مشكلات، قد تكون الغيرة (حادة) خاصة إن كان الرجل (مبصبصاتي) أبو عيون زائغة! وفي بعد أبو عيون رايقة!
الغيرة الإنسانية أمر طبيعي إذا لم تزد عن حدها بحيث تتحوّل إلى نقطـة انطـلاق نحو المشاكل والخلافات والتدقيق!
الغيرة قضية تهم الجميع صغارا وكبارا، شبابا وشيبا، رجالا ونساء، وهي في كل عصر كوروني أو بيولوجي!
هناك في الحياة غيرة محمودة كنصرة الدين والرسول صلى الله عليه وسلم والوطن، وأخرى مذمومة، غير أن الاعتدال هو المطلوب، وكما قيل (خير الأمور الوسط)!
بواعث الغيرة ودوافعها وألوانها موجودة في طبائع بني البشر وليس لها عمر مبكر. ألم تلحظ أن أحد أبنائك وهو صغير يغار حتى من إخوانه؟
طبعا هذه الغيرة إذا ما لم يتم تهذيبها وتوجيهها تكبر وتصبح من سمات صاحبها وهي بالأصل (صفة ذميمة) وبالعكس متى ما تحولت الغيرة إلى ظاهرة صحية تدفع وترفع صاحبها إلى ما فيه خيره وأمنه، وحين تكون ظــاهرة مرضية لا تنفع وتتحول إلى خلق مصاحب لصاحبها!
أتمنى على المختصين أولا أن ينتبهوا إلى زبائنهم في العيادات والمستشفيات، هل فعلا هناك (غيرة كورونية) ازدادت عند البشر في عصر كورونا؟
لنتفق على أن الغيرة (سلاح ذو حدين) لها محاسنها ولها مساوئها!
في الحياة كلنا جربنا الغيرة بكل أشكالها وألوانها منها ما يدفع الشر ويمنعه ومنها ما يحمي ويصون، وهناك أيضا غيرة تحطم وتهدم وتصيب صاحبها بالجنون والهوس!
إن رجال التربية وعلماء النفس والأطباء والمصلحين والدعاة والإعلاميين المتخصصين هم الفئة التي تستطيع أن تعالج وتخمد هذه القضية حتى لا تعلو نيرانها وتحرق البيوت والمجتمعات والأوطان!
الغيرة في لغتنا العربية الجميلة نقول: غار الرجل على المرأة وغارت المرأة على الرجل!
ونسمع هذا زوج (غيران) وهذه زوجة غيورة!
والجمع هو (غيار) و(غيارة) والجميع مغايير!
الأمر في اللغة يطول، لكن هذه هي المفردات التي عرضتها المستخدمة في موضوع الغيرة وما يصاحبها من آثام وآلام وخناقات وحتى ضرب!
٭ ومضة: لو استعرضت معك قارئي الكريم ألوان الغيرة في مجتمعنا قبل وأثناء زمن كورونا الذي نعيشه في عام 1442هـ الموافق 2020م لوجدنا ما يلي:
- طفل جديد في الأسرة يثير الغيرة عند قدومه مع إخوانه لاهتمام الوالدين به.
- يغار أحد التلاميذ من زملائه في الفصل أحيانا من شدة التنافس أو المواقف!
- تغار البنت الشابة ممن يفقنها جمالا وغنى وعلما فتحدث الحيل والمكائد!
- قد يغار الجيران من بعضهم البعض.
- وقد يغار الأهل من الأقارب.
- وقد يغار الشيخ من الشاب.. وهكذا تتنوع الشرائح!
طبعا الأحاديث الخاصة بقضية الغيرة كثيرة، لكن تبقى الحقيقة الساطعة «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»!
٭ آخر الكلام: أكثر الغيرة انتشارا هي غيرة النساء، ولهذا حتى في الأثر نجد النصح من الآباء لبناتهم: إياك والغيرة المذمومة، فإنها مفتاح الطلاق!
٭ زبدة الحچي: ما أحوجنا في العصر الكوروني وغيره من الأوقات أن نترك الغيرة الممقوتة المذمومة لأن النساء في الأصل شقائق الرجال، وعليه كلما كانت المرأة متفهمة لموضوع الغيرة جنبت أسرتها الهدم والخراب، لأنها باختصار أخزت الشيطان ودحرته، وحكّمت عقلها وأزاحت الكراهية المصاحبة للغيرة والتي يصاحبها دائما الحيد عن الحق والعدل ويتضح القلق والحقد والخوف.
وأختتم بهذه الأبيات الرائعة التي تصلح لقضية الغيرة أبعدها الله عنكم إلا في مواطنها، يقول الشاعر:
خذي العفو مني تستديمي مودتي
ولا تنطقي في سورتي حين أغضبُ
فإني وجدت الحب في الصدر والأذى
إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهبُ
ولا تنقريني نقرك الدف مرة
فإنك لا تدرين كيف المغيبُ
ولا تكثري الشكوى فتذهب بالهوى
ويأباك قلبي، والقلوب تقلبُيبقى السؤال الأهم: أيهما أغير: النساء أم الرجال؟
في الحياة وجدنا في كثير من المواقف أن غيرة الرجل على المرأة مصاحبة معها العنف والتقريع والضرب أحيانا!
وشاهدنا مواقف وصور لنساء كن الأعنف والأشد لأن الغيرة لدى المرأة بواعثها الشك دائما والحرمان!
قضية الغيرة موضوع شائك تحدث به السابقون واللاحقون، وتناولته كل وسائل الإعلام.. لكن يمكن أن تكون الغيرة في زمن الكورونا قاتلة!
وقالوها: من الغيرة ما قتل!
حفظكم الله جميعا.. في أمان الله..