[email protected]
خالد الحضرمي شاب من حضرموت باليمن غير السعيد، كان يعمل قبل اجتياح كورونا «كوفيد ـ 19» في الكويت سائقا، وكان يأتي إلينا صباحا ليصلي معنا في مسجد هيا الإبراهيم، وكان يساعد في وقت فراغه بالعمل الخيري الذي نقوم به.
جاءني اتصال منه منذ أيام عقب وفاة الشيخ صباح الأحمد أمير البلاد، رحمه الله، ويسأل فيه عن أحوال الكويت وأهلها وكيف أنه يدعو في كل صلاة لأهله في الكويت التي لم ينساها لحظة من دعائه «العود بوناصر»، وأنه في غاية التفاؤل والثقة بالله بأن الكويت في يد أمينة في عهد صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، وسمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، حفظهما الله وأطال في عمرهما في صحة وعافية.
يقول لي خالد الحضرمي، يا أخ يوسف والله الكويت دائما سعيدة ومحظوظة بحكامها وبشعبها الوفي، وأنه تابع من حضرموت حالة الحزن التي أصابت الكويت عقب رحيل قائد الإنسانية، وكيف استبشرت الدولة والشعب بتفاؤل وثقة وصول صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد الى سدة الحكم بسلاسة، وتزكيته عضده سمو الشيخ مشعل الأحمد وليا للعهد.
وأن الكويت اليوم تنفض الأحزان لتواصل مسيرتها التي امتدت لنصف قرن، فرغم ما صاحبها من صعاب وأحداث لكنها كانت (عصية) على كل معتد جائر، لأن الكويت لم تفعل وتقدم للعرب إلا كل خير، ولهذا سميت الكويت بلاد العرب، ولهذا أحبها العرب الذين يعرفون الفضل ويعودونه لأصحابه بوفاء ومحبة وفضل.
سألته: وكيف ترى الكويت اليوم من بعد يا خالد؟
قال: ما في كلام عمي أبومهند.. الكويت اليوم بأمن وأمان وحكمة وحنكة حكم متمثلة بحكام الكويت السابقين واللاحقين، وأقولك شيء ترى الناس اللي بره يحسدون الكويت ومن فيها على نعمة هذا الحكم، خاصة أن شيوخكم عبر التاريخ أخذوا بالكويت نحو العلياء والتنمية، واليوم الكويت بلد الإنسانية وأميركم أمير التواضع والحكمة، وأموركم تبشر بالخير ويا رب احفظ الكويت وحكامها وشعبها، وأخبرك عمي أبومهند بأن أخوانكم الحضارمة جميعا لا يخلو بيت إلا ولهم واحد من الأهل يعمل في الكويت، وهناك أيضا متقاعدون رجعوا بعد ما عملوا في الكويت ومعازيبهم يرسلون لهم مساعدة شهرية أو في الأعياد والمناسبات، وإن الحضارمة عبر الأزمنة ومازالوا يحبون الكويت ويدعون لها بالخير، وكلهم ثقة بأن قادمات الأيام طيبة للكويت وأهلها بفضل قيادة عودها النواف وولي عهده الأمين المشعل.
كانت هذه مشاعر شاب يمني حضرموتي يطلب مني أن أنشرها ليعرف (أهل الديرة الكرام كما يقول مشاعر أخوانهم الحضارمة تجاه الكويت)
شكرا يا ابني (خالد الحضرمي) على هذه المشاعر النبيلة تجاه أخوانك وأهلك في الكويت وللأمانة التاريخية والمواقف فإن الكويت لم تتخل عن نصرة اليمن والشعب اليمني الشقيق، وقدمت له كل ما تستطيع من بناء جامعات ومعاهد ومراكز صحية وطرق وكهرباء ودور أيتام وبناء مساجد وتقديم مساعدات، وأنا شخصيا وغيري آخرون كثر نستشعر محبة الإخوة اليمنيين للكويت، وهناك شركات كويتية تعين (الحضارمة المحاسبين) على وجه الخصوص ليتسلموا صناديق المال لأمانتهم وحرصهم عليه وأخلاقهم الطيبة في التعامل وما يتركونه من أثر.
٭ ومضة: أنا تربيت على يد والدي ـ رحمه الله، بحار كويتي حدثني عن أسفارهم إلى الهند وساحل عمان وحضرموت والمكلا وعدن وغيرها من السواحل، وذكر لي صفات وأخلاق شعب حضرموت ووادي حضرموت والحويرة ووادي دوعن والشحر وسيحوت، وعن تجارة اللبان وإنتاج البخور وأيضا القطن.
ندمت والله أنني لم أسجل (سوالفه وكلامه) عن المكلا وعن بدو الحالكية وخناجرهم وشعر رؤوسهم الكث المضفور بعضه بضفائر وجمالهم التي تحمل أمتعتهم، وذكر لي بوابة شبام وسفوح جبال (التهائم) التي فيها شجر صغير تخرج منه عصارة تسمى المرة وأيضا اللبان العربي والكتابات الحميرية وجمال الطبيعة في وادي حضرموت وآبارها، وبها قصور قديمة تنم عن الثراء والغنى في ذاك الوقت من الفقر.
٭ آخر الكلام: زرت نقابة المعلمين في عدن في الثمانينيات وأعجبتني القصور القديمة والمساجد في ساحل المكلا، وأتذكر أنني شهدت مئات الآلاف من الغربان السوداء قبيل المغرب في عدن، وكنت أرى الرجال تلبس (الوزار) وهو السائد عندنا في الكويت القديمة (ما كان موجود المكسر الأبيض السروال) الكل وزار! طبعا أتذكر جولة لي في مدينة (الشحر) حينذاك كانت (فرضة حضرموت) أي السوق الذي على الساحل وأرضها تنزل عليه البضائع ما كانت حلوة الشحر بسيطة جدا وقديمة متهالكة.. لا أدري عن حالها اليوم؟
٭ زبدة الحچي: مكالمة تلفونية من خالد الحضرمي ـ جعلتني أشعر بأن الدنيا والناس بخير ما دام هناك من يذكر الفضل ويحفظ لك المعروف والوفاء.
طبعا الشعب الكويتي أيضا يحب الحضارمة لأنه مدمن وعاشق للموسيقى العدنية وما نسميه بالعدنيات وكلها أصوات لها جيل من الذين رحلوا ومازال (عيالنا الجدد) يحبون العدنيات!
قبل أن أختم يجب أن أشير إلى أن حضرموت مدينة عريقة لها تاريخ أسسها (عمر بن عوض) في منتصف القرن الثالث عشر الهجري وهو ينحدر من عساكر آل يافع الذين استوطنوا حضرموت بعد أن جلبهم السلطان بدر أبوطويرق الكثيري وابن عمه علي بن عمر بن جعفر الكثيري سلطان شبان.
ولحضرموت معاهدة مع عدن بإشراف الإنجليز في 1917 وعندما تسلم الشيوعيون حضرموت وعدن في السبعينيات اطلقوا على سلطنتي القعيطي والكثيري المحافظة الخامسة في تقسيمهم الإداري الجديد.
شكرا لابني الوفي خالد الحضرمي وشعب اليمن الوفي على هذه المشاعر التي وصلتنا، وعذرا إن أخذتك معي في هذه الجولة التاريخية.
قال الشاعر:
احذر تغش الناس لو كان غشوك
غادر بصمت وخل خاطرك صافي
والدرب خله سمح لا تزرعه شوك
يمكن يجي لك يوم.. وتمر حافي
في أمان الله..