[email protected]
قلت لسائلي: لماذا تخاف الذهاب إلى المقبرة؟
قال: أنا فيني (فوبيا من المقبرة) أخاف بشكل جنوني، ما أتحمل أدخلها ولا أزورها مهما كان قربي وصلتي بالميت!
قلت: هوِّن عليك نفسك إن جاءك الموت ما كان ليُخطئك أبدا، كلنا لنا (أجل) إذا وصل دورنا لا نتقدم ولا نتأخر (لكل أجل كتاب).
قال: وأنا أيضا أخاف ما قرأت عنه في سكرة الموت!
صاحبي (الخائف) من المقابر ولحظات الموت هذا كله أمر عظيم لأن شدائد الموت وسكراته أمر (محتوم) في رحلة الإنسان للعالم الآخر (البرزخ).
ومن يقرأ سيرة الأنبياء عليهم السلام يقف على حقيقة الموت فهم أشد الناس بلاء في الدنيا ثم الأمثل فالأمثل، كما جاء: «فأراد الله أن يبتليهم تكميلا لفضائلهم لديه ورفعة لدرجاتهم عنده، وليس ذلك في حقهم نقصا ولا عذابا».
بل هو كمال ورفعة مع رضاهم بجميل ما يجري الله عليهم، فأراد الله سبحانه أن يختم لهم بهذه الشدائد مع إمكان التخفيف والتهوين عنهم، ليرفع منازلهم ويُعظِّم أجورهم قبل موتهم.
من قرأ قصص الأنبياء عليهم السلام يقف على ابتلاء الله لسيدنا إبراهيم بالنار، وموسى بالخوف، ومحمد بموت أبنائه الأولاد، ويونس بالحوت، وأيوب بالمرض.
كنت في فجر الجمعة أقرأ سورة (ق) ووقفت طويلا أمام الآية (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) سورة ق19.
لا أحد ينجو من هذه اللحظة (الأنبياء - الصحابة - آل البيت - الصالحون)، يصور لنا ربنا جل من قائل هذه اللحظات (السكرات) كل إنسان حين الاحتضار، اقرأوا الآية وأعيدوا قراءتها واستيعابها في لحظة الموت وغمراته وسكراته، وهذا ما يخل بالعقل في حال شرب المسكر أو حالة العشق والألم والغشى الناشئ عن الألم، وهو المراد هنا! فماذا عن سكرة الموت؟
يا بني آدم.. رجلا كنت أو امرأة، سكرات الموت لا ينجو منها أحد، وهذه اللحظة تمثلت بقول الشاعر:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
من يقرأ تاريخ عترة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته وزوجاته يعرف أن هؤلاء كانوا مستعدين لهذه اللحظة بالعمل العبادي الصالح ومرحّب عندهم لأنهم فهموا أن الدار الدنيا دار عبور للآخرة، فلا خوف ولا جزع، فأمر الله محتوم برقاب العباد!
في السيرة النبوية الشريفة تحدثوا عن حالة الاحتضار مما يعانونه من شدة الموت وسكراته، ومن هؤلاء الذين وصفوا هذه اللحظات عمرو بن العاص حين حضرته الوفاة، قال له ابنه: يا أبتاه.. إنك لتقول: يا ليتني ألقى رجلا عاقلا لبيباً عند نزول الموت حتى يصف لي ما يجد وأنت ذلك الرجل، فصف لي!
فقال يا بني: والله كأن جنبي في تخت وكأني أتنفس من سم إبرة، وكأن غصن شوك يجذب من قدمي إلى هامتي!
٭ ومضة: من يعمل في حياته الفروض والسنن ويتحلى بأجمل الأخلاق، فليبشر إذا مات بأفضل مماتة وأعظم سعادة وأكرم وفادة وأتم سروره وأكمل صبوره، فهو عبد صالح قضى حياته ناشدا الخير وينشر العمل الصالح ليحصد الجنة.
قال أبو بكر الكتاني: كان رجل يحاسب نفسه فحسب يوما سنيّه فوجدها ستين سنة، فحسب أيامها فوجدها واحدا وعشرين ألف يوم وخمسمائة يوم، فصرخ صرخة وخرّ مغشياً عليه فلما أفاق قال: يا ويلتاه، أنا آتي ربي بواحد وعشرين ألف ذنب وخمسمائة ذنب.
يقول: هذا لو كان ذنبا واحدا في كل يوم فكيف بذنوب كثيرة لا تحصى؟!
ثم قال : آه علي عمرت دنياي وخربت أخراي وعصيت مولاي ثم لا أشتهي النقلة من العمران إلى الخراب، وكيف أشتهي النقلة إلى دار الكتاب والحساب والعتاب والعذاب بلا عمل ولا ثواب، وأنشد:
منـــازل دنيـــاك شيـــدتــها
وخربت دارك في الآخرة
فأصبحت تكرهها للخراب
وترغب في دارك العامرة
ثم شهق شهقة عظيمة فحركوه فإذا هو ميت.
٭ آخر الكلام: القراء الكرام التذكرة واجبة، فكونوا على استعداد وانتبهوا واعلموا أن الدنيا ليست دار بقاء، فاستبدلوا بها وتعوضوا بالآخرة.
٭ زبدة الحچي: ذكر الموت حياة، وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم يذكر ويطلب بالإكثار من ذكر الموت هادم اللذات!
الموت هو البوابة المؤدية إلى الحياة الباقية الدائمة إما في نعيم دائم أو عذاب مقيم، نسأل الله السلامة والعفو والعافية.
في أمان الله..