[email protected]
نحن جيل مخضرم محظوظ، شفنا وعشنا الفقر، وايضا الرفاهية والرخاء، مضت ذكريات واحوال وبقي منها ما بقينا، خاصة الافعال الحسنة التي ميزت الكويتي ردحا من الزمن، يوم كان مجتمعنا بسيطا، صغيرا، ومتقاربا، وفيه الشيء الكثير من الألفة والمحبة وايضا القناعة والقلوب البيضاء الطيبة والتصافي والحياء والحكمة والصدق وإنكار الذات وغياب «الأنا» المتضخمة، ونأمل ونتمنى أن يسير عيالنا وأحفادنا على هذا النهج الكويتي، لكن تخرج «آه» كبيرة، وتبقى هيهات ما فات!
حلوة كويتنا يوم ما كانت صغيرة، تعدادها بالآلاف، وفرجانها هي المحور المحرك لكل شيء، هي «الحراك والاصل» الذي به دونا تراثنا الشعبي، ولم تبق لنا منه إلا الذكرى العبقة، تذكر اولادنا واحفادنا واجيالنا القادمة ليقفوا على حياة آبائهم الأقدمين الذين كافحوا اهوال البحر والصحراء كفاح المستميت، وتعرضوا لكل الاهوال والمخاطر في سبيل لقمة العيش الشريف.
ذهب البيت الكويتي القديم بكل مواده المحفوظة في الذاكرة من صخر وجص وطين وبواري وطاري وباسجيل وچندل، وذهبت الى غير رجعة المطاين والقيلة واللبن والحصحص والبواري والمناقير والحصران والصاروي أي الاسمنت!
راح زمن «الاستادية» الذين يحملون: الهيب، الصخين، الجدوم، الزبيل، التب، الچيلة، والمسطرة.
الاستاد هو اسطى البناء، ونسميه بناي، والجمع بناني او «مزوري» والجمع «مزورية»!
من أشهر الاستادية عندنا في الكويت القديمة العم خليفة البحوه وأولاده وعبدالعزيز المقهوي وسليمان النجدي واحمد ابوغنام واولاد عبدالسلام والاسطى احمد وغيرهم رحمهم الله جميعا.
يا زمن حلو مرّ علينا في النقرة وحولي والقادسية، يا حلو ذيك الابواب والدرايش (الشبابيك)!
الله.. دائما أتذكر «البركة» أي البرچة في بيتنا بالقادسية، وهي خزان مياه تحت الارض تشيل 7 تناكر مياه، وهي تحتوي على مياه إما بواسطة «المرازيم» او أنابيب يصنعها «التناك» ويركب عليها راعي التنكر هوزه ويملأ البرچة!
راح الليوان واهله والعريش البسيط تحت سدرتنا الذي بفيئه نستظل من حرارة الشمس اللافحة والامطار، ولاتزال في ذاكرتي ونظراتي بقية «حباله المدندلة» النازلة من البواري المرفوع على اخشاب الچندل والباسجيل وأعواد المردي!
كم اشتاق لدهريزنا الطويل في القادسية والحوش العربي والكنكية، وهي مخزن البيت، وذيك الاحيات أي «احيه»، وهو الجدار المحيط بسطح المنزل او البيت والواقي لأهله من «الطيحة» أي الانزلاق، وهو الحاجب لهم عند تواجدهم فوق عن أعين الجيران!
٭ ومضة: النزول في بيت جديد قديما هذا يعني ان تهب للترحيب بجارك وتقدم له هدية عبارة عن ذبيحة وهي غير المنيحة، أي البقرة اوالعنز او النعجة التي يشرب لبنها، طبعا الآن تغيرنا، صرنا «نطبخ» لهذا الجار الكريم الذي يجاورك او ترسله «قوزي» أو تقدم له خروفا حيا!
هذه من عادات الكويت ومتأصلة فينا، ونأمل ألا يقطعها عيالنا!
٭ آخر الكلام: من عادات أهل الكويت الطيبة التزاور مع بعضهم بعضا أيام الجمع والاعياد والمناسبات، وتشكل اليوم الديوانية رمزا لهذا الذي كتبته، فهي ملتقى الرجال، اما النساء قديما فكن يلتقين في «چاي الضحى»، وهذه فرصتهن بعد العناء والمشقة، يجتمعن لتداول اطراف الحديث بعد الانتهاء من الاعمال المنزلية، وكان في السابق أمر اللقاء مقتصرا على تقديم الچاي والقروضات، اما اليوم فصار الاستقبال مكلفا بملابسه وبوفيهاته!
٭ زبدة الحچي: الجيل الحالي ما سمع عن التبيضه؟
هي نوع من النذور تقيمه إحدى الأسر فيسعد المدعوون ويفرحون، وكثيرا ما تنذر امرأة اذا تحققت أمنيتها بعمل التبيضه فتجهز الاطباق الكبيرة (صواني) بالمكسرات تحضر العدة من مرشات ماي ورد وبخور، ثم تدعو نساء الفريچ فيحملن هذه الصواني والمباخر والاطباق على الرؤوس ويتحرك الموكب من منزل الداعي او الداعية ويطوف بالسكك والطرقات، ويصيح صائح بأعلى صوته: «تسمعوا يا أهل الغيه، الحاضر منكم والغايبية، يا من سفرته بالسبيلات مملية، والخضر بومحمد بيض الله ويهه»!
ثم تيبب النسوة حتى يعود جميع افراده الى البيت الذين تحركوا منه ليوزع عليهم ما تضمنتها الصواني والاطباق ويعطرون ثم يبدأ الجميع بالانصراف من مكان تجمعهم!
في زمن كورونا، نستذكر الماضي في كل موردنا ومنها الاقاويل الشائعة سابقا مثل اذا ما أحسست بأكلان في يدك فيقولون لك: راح تييك فلوس! واذا قام الواحد من مجلسه وصار مكانه حار فيتهم بأنه من اصحاب الفلوس حتى لما يكون حافيا ولا يملك قوت يومه!
اذا صاحت اذنك اليمنى فمعنى ذلك ان احدا ذكرك بخير، واذا صاحت الاذن الشمال فمعناه ان احدا يذكرك بشر!
عشنا فبراير والناس تبي تفرح صاكه فيها الدنيا، فهل من مبشر؟!
أم مكتوب علينا في زمن كورونا ان «نضرب ايادينا أخماس في أسداس»؟!
نبي شي يونس هالشعب اللي تكسرت على راسه العنقيشة، وكسروا مياديفه!
هذه بقايا ذكريات الماضي في الزمن الجميل الذي انقضى!
..في أمان الله.