[email protected]
أبوحنيفة بن ثابت بن مرزبان الكوفي، فقيه وعالم مسلم وأول الأئمة الأربعة عند أهل السُنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنفي في الفقه الإسلامي والقراءات والحديث والنحو واللغة وعلوم القرآن، وكان شديد التعلق بالقرآن الكريم، ويقال إنه قرأ القرآن في الموضع الذي مات فيه سبعة آلاف مرة، حيث كان يصلي الليل ويقرأ القرآن كله في كل ليلة.
كان الإمام أبوحنيفة نائما ورأى في منامه رؤيا عجيبة. فقد رأى خنزيرا ينحت في شجرة وكاد يسقطها الى أن أتى فرع صغير من هذه الشجرة فضرب الخنزير فتحول الخنزير الى عبد صالح جلس يعبد الله تحت الشجرة.
فلما استيقظ الإمام أبوحنيفة ذهب مسرعا الى شيخه ومعلمه الشيخ حماد بن سلمان ليُفسر له ما رآه في منامه.
وكان عمر الإمام أبوحنيفة في ذلك الوقت لم يتجاوز الثانية عشرة، فعندما وصل الإمام أبوحنيفة إلى شيخه وجده يعلوه الهم والحزن فنسي أبوحنيفة ما كان من أمر رؤياه.
وسأل شيخه: «ماذا حدث يا شيخي. فأنا أراك مهموما»، قال الشيخ حماد: «يا أبا حنيفة لقد أرسل إلي الخليفة يريدني أن أجادل مجموعة من الملحدين الذين لا يؤمنون بالله، ويقولون إنه ليس للطبيعة خالق، وإنه والله لأمر جلل، فنحن لا نعرف قدر الذات الإلهية حتى نجادل فيها».
فقال أبوحنيفة لشيخه: «يا شيخي دعني أذهب أنا مكانك لمجادلتهم، فإن حاججتهم فما بال الشيخ الكبير، وإن حاججوني فما أنا إلا تلميذ صغير». فقال له شيخه: «اذهب على بركة الله يا أبا حنيفة».
فذهب الإمام أبوحنيفة إلى قصر الخليفة فوجد قوما من الناس جلوسا عند الخليفة، فقال الإمام أبوحنيفة: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته»، فلم يرد عليه السلام إلا الخليفة وبعض قليل من جلسائه، فقال الخليفة: «أين شيخك حماد بن سلمان لقد أرسلت في طلبه فلمَ لم يحضر؟»، فقال أبوحنيفة: «لقد أرسلني شيخي لأمثله»، فجلس الإمام أبوحنيفة عند القوم يطلب منهم أن يسألوه أسئلتهم ليرد عليها، فقال رجل - وهو رأس الملحدين - يا أبا حنيفة لماذا لم يحضر شيخك أليس لديه من العلم الكثير ليحاججنا؟ فقال أبوحنيفة: إن شيخي هو شجرة تثمر علما ولكنكم لستم أهلا لأن تجلسوا مع شيخي حماد بن سلمان.
فقال الخليفة هيا لنبدأ الحوار: (وبدأت المجادلة بسؤال من الملحدين).
٭ الملحدون يسألون: يا أبا حنيفة، هل رأيت ربك؟
- أبوحنيفة يرد: «سبحانه ربي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار».
٭ الملحدون يقولون: نحن لا نؤمن بمثل هذا الكلام، فنحن نؤمن بالطبيعة، فأت لنا بمثال من الطبيعة».
- أبوحنيفة يقول: «إذن هذا مثال: إن كنتم جلوسا عند رجل حضرته سكرات الموت، فعندما يموت الرجل ماذا يخرج منه؟».
٭ قالوا: تخرج روحه.
- قال الإمام: تخرج روحه أمامكم فهل ترونها؟
٭ قالوا: لا.
- قال الإمام هكذا الروح، فقد خلقها الله ولا ترونها، فكيف ترون الخالق؟
وهكذا طغت عليهم الحجة. ولكنهم أرادوا أن يتداركوا الموقف فسألوه سؤالا آخرا.
٭ قال الملحدون: يا أبا حنيفة في أي اتجاه يتجه ربك؟
- قال الإمام: (أينما تولوا فثم وجه الله).
٭ قال الملحدون: نحن لا نؤمن بالقرآن. آتنا بمثال من الطبيعة.
- قال الإمام: إذا كنتم في غرفة مظلمة وأضأتم مصباحا ففي أي اتجاه يكون النور؟
٭ قالوا: يكون النور في كل الاتجاهات.
- فقال أبوحنيفة: هكذا ربي يكون، فهو نور على نور.
وأخذوا يسألون الإمام أبوحنيفة ويرد عليهم بالحجج الى أن وصلوا الى سؤالهم الأخير.
٭ قال الملحدون: يا أبا حنيفة. تقولون في دينكم إن الجان قد خلق من النار، فكيف يعذبه الله في النار؟ أي كيف يعذب النار بالنار؟
- قال الإمام أبوحنيفة: إن هذا السؤال يحتاج الى وسيلة إيضاح من الطبيعة.
فانحنى الإمام أبوحنيفة والتقط قالبا من الأرض وضرب به رأس رجل من الملحدين.
٭ فقال الخليفة: ماذا تفعل يا أبا حنيفة؟!
- قال الإمام: إن هذا مجرد مثال للإيضاح. فإن هذا القالب قد خلق من طين فانظر كيف عُذب الطين بالطين. كذلك يعذب الله النار بالنار.
٭ ومضة: فأعجب الجميع من فصاحة الإمام وعلمه وتوجه رأس الملحدين إلى الإمام أبوحنيفة قائلا: يا أبا حنيفة دلني على شيخك لأكون تلميذا تحت قدميه.
وهكذا علم أبوحنيفة تأويل رؤياه التي رآها في منامه. فالخنزير هو رأس الملحدين، والشجرة هي شجرة العلم وهي (شيخه حماد بن سلمان)، أما الفرع الصغير فهو أبوحنيفة الذي حاجج الملحدين وجعلهم تلاميذ عند شيخه حماد بن سلمان.
٭ آخر الكلام: مناقب الإمام أبوحنيفة كثيرة، فهو حسن الوجه واللحية، وحسن الثياب يضع العطر، شديد الذب عن حرام الله، مجانبا أهل الدنيا، طويل الصمت، دائم الفكر، لم يكن مهزارا، شديد الخوف من الله عز وجل، هائبا للحرام أن يستحل، ورعاً، تقياً، يسمى الوتد لكثرة صلاته وقيامه، يصلي العشاء والفجر بطهر واحد، ويختم القرآن كل ليلة.. يا الله لأن الصلاة همه والقرآن رسالته!
٭ زبدة الحچي: يا أهل الميديا والتواصل الاجتماعي هذا واحد من أبطال الإسلام لماذا لا تقرأون سيرته وتتعرفون على مناقبه وحجته أمام الملاحدة وما أكثرهم في هذا الزمان أصلحهم الله!
هذا إمام من الملة عالم رباني واجه الملحدين في زمانه وأقام الحجة عليهم، وهو بلا أدنى شك من سير أعلام النبلاء إنه الإمام الفقيه أبوحنيفة النعمان، رحم الله الإمام أبا حنيفة رحمة واسعة، وجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة.. علم يُدرس، وتاج وقار، وأنموذج للأجيال المسلمة.
في أمان الله..