[email protected]
الثلاثاء 15 من رمضان 1442هـ الموافق 27 أبريل 2021م نعى الناعي عبر «الميديا» والتواصل الاجتماعي الأديب الشاعر ابن الكويت عبدالرزاق محمد صالح العدساني عن عمر يناهز الـ 85 عاما.
خبر حزين ومؤلم أن تودِّع إنسانا مثله في الزمن الكوروني.
وفي عصر الأربعاء 16 من رمضان 1442هـ الموافق
28 أبريل 2021م دفن المغفور له بإذن الله عبدالرزاق العدساني في مقبرة الصليبخات ليحتضن ثرى الكويت جثمان هذا «الكويتي الوطني» الذي سيبقى في ذاكرة الكويتيين بعد أن أغنى المكتبة الكويتية بكتبه ومقالاته وشعره.
رحل عاشق الكويت أستاذ الأجيال الكويتيين من المخضرمين ورمز أجيالنا المقبلة.
رثاء اليوم لمن يستحق الرثاء حقا بوطنيته وتاريخه وإرثه الثقافي.
سيرته
ولد عبدالرزاق العدساني في (چبلة) عام 1936م في فريج الصهيد وتعلم في المدرسة القبلية والمباركية، وظهر ميله للأدب والشعر فحفظ دواوين الشعر الجاهلي والشعر الإسلامي، وكتب الشعر الفصيح والشعبي، وله في تاريخ الكويت أوبريتات وطنية وعدة كتب والكثير من المقالات.
عمل في بداية حياته في وزارة الأشغال من 1953 الى 1965 ثم انتقل الى وزارة التربية من عام 1956 الى 1983 عندما تقاعد مبكرا ليتفرغ للأدب وليبدع فيه، وله العديد من كتب الشعر، وقد برز - رحمه الله - في شعر العروض.
عرف العدساني بأعماله المرتبطة دائما بالوطن، وقد أغنى مكتبة التلفزيون والاذاعة وأرشيف الصحف والمجلات.
الارتباط به
جمعتني به في البداية علاقة المعلم بولي الأمر، فلقد درّست ابنه الأكبر إبراهيم ثم أسامة ومحمد وأيمن، رحمه الله، وخالد وطارق.. كلهم أولادي أحبهم، فلقد كانوا نعم (التلاميذ) أدب جم وتربية، ولا عجب. فالأب عبدالرزاق العدساني والأم أختنا - فاطمة محمد حمد بودي - طيب الله ثراها ومثواها هم وكل العوائل الكريمة في منطقة القادسية الكرام.
ومع الأيام وجدته أخا وصديقا ومستشارا، وكان - رحمه الله - يحب أستاذنا الفاضل المربي محمد عبدالرحمن الفارس ناظر مدرسة صقر الشبيب التي عملت فيها طيلة فترة شبابي وحياتي الوظيفية وكنت ألتقيه أحيانا بين فترة وأخرى مع الشاعر منصور الخرقاوي، رحمه الله.
وطنيته
كان من الصامدين الذين صمدوا في الكويت أثناء الاحتلال العراقي الصدامي، وكان على الدوام من الذين لا يستعرضون البطولات وهو البطل الصامت الذي عمل مع المقاومة الوطنية، وقام بالدور الذي يتطلبه منه الوطن، فكان معينا للمقاومة الكويتية وأحد العناصر التي تثبت الناس للبقاء والصمود وإيصال الأموال هو وصديقه الوطني البطل اللواء مساعد الغوينم وغيرهم ربي يجازيهم كل خير على ما قدموه لوطنهم.
متعدد المناقب
الأديب الشاعر عبدالرزاق العدساني يملك الكثير من الخصال السلوكية التي تجعلك تحترمه بأدبه الجم وكرمه ومعرفته بالأنساب والأدب والشعر، خاصة كتابه الجديد في علم العروض الذي قدمه أستاذنا الشاعر والأديب المبدع دائما د.خليفة الوقيان والأستاذ الشاعر فيصل السعد، رحمه الله.
كتبه
عاصرت في حياتي الكثير من كتبه التي عرضها علي بديوانه بمنطقة القادسية ولأعطيه رأيا بالمؤلف وأتذكر مجموعة من الكتب التي نشرتها له في «الأنباء» أو القصائد الوطنية والدينية، ومن أبرز كتبه التي قرأتها ديوان العدساني - الجزء الأول والجديد في علم العروض وديوان العدساني للزهيري ودراسات في عروض الشعر وملحمة أسير وشاعر البحر وشاعر الأطلال وتاج اللغة وسمي أيضا النموذج السابع، وحكايات لا تنسى وغدير وسراب وديوان العدساني الجزءان الثاني والثالث.
تكريمه
نال عبدالرزاق العدساني بعد التحرير تكريم وزير الإعلام الأسبق الشيخ سعود الصباح، رحمه الله، وتكريم وزير الدولة الأستاذ راشد عبدالعزيز الراشد، وتلقى أيضا تكريما من جامعة الكويت، حيث كرِّم في كلية الآداب.
كما أن بعض قصائده وضعت في مقررات المرحلة الثانوية.
لقد عاصرته وهو يلبي عشرات الدعوات الشعرية والأدبية والتراثية في القاهرة وبيروت ودولة الإمارات وبغداد وفي مهرجان القرين.
شاعريته
يمتد اللحن الكويتي الى مرحلة راسخة في القدم، وله رواد أوائل قدموا أعذب الكلمات، ويعتبر عبدالرزاق العدساني من الكويتيين البارزين الذين قدموا أعمالا وطنية ودينية عبر أوبريتات تركت بصمة مع سبق البدايات والتميز، ومن هؤلاء القلة يبقى عبدالرزاق العدساني أديبا وشاعرا، وهو أحد عمالقة الأغنية والقصيدة الوطنية، وهذا الباحث والعاشق للتراث يحتاج مني وغيري إلى أن ننتبه لوقفاته وهو الشاعر صاحب أكثر من بصمة وطنية وتراثية وشعرية وفي شتى المجالات.
دفاعه عن الأدب
بحكم متابعتي للشاعر الأخ والصديق عبدالرزاق العدساني - رحمه الله - أستطيع أن أقول إنه واحد من الأدباء الكويتيين الذين استبسلوا في الدفاع عن الساحة الشعرية والأدبية، خاصة أن (أبا إبراهيم) تدرج في شعره من الشعر الشعبي النبطي الى الشعر الفصيح وأجاد به وقدم الكثير من الدراسات حول الشعر وبحوره وأوزانه وكان يقولها بعلو الصوت: الأديب الكويتي لم يأخذ حقه المأمول من وطنه، ولهذا كان دائما يختم تصريحه بأن الأدباء صادقون صابرون وكان له تشبيه عجيب أتذكره يقول: «الأديب الكويتي مثل (ابن المطلقة) يذهب الى أمه فيطرده زوجها ويذهب الى أبوه فتطرده زوجة أبيه».. وصف عجيب لواقع الحال، وكان بحق عبدالرزاق العدساني مدافعا عن الأدب والشعر دون الخوف من لومة لائم.
من أجمل مؤلفاته
في أواخر الثمانينيات صدر له ديوان أسماه (ديوان العدساني) هذا الديوان تجلت به قصيدة أسماء الله الحسنى التي شملت كل أسماء الله تعالى وكانت القصيدة من البحر الطويل المتواتر وكانت بحق مفخرة، لكن تلفزيون الكويت والإذاعة تجاهلوا هذه القصيدة التي تمجد أسماء الله الحسنى، وكانت مثار إعجاب من المتخصصين بالأدب واللغة العربية وتجاهل من الإعلام الرسمي حينذاك.
الدولة مطالبة بتكريمه
حظي الأديب الشاعر عبدالرزاق العدساني بتكريم جامعة الكويت ومن وزارة الإعلام ممثلا بتكريم الشيخ سعود الصباح له، وأيضا وزير الدولة راشد عبدالعزيز الراشد والقيادة العامة للتوجيه المعنوي بوزارة الدفاع والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، واليوم.. آن الأوان أن تكرمه الدولة بإطلاق اسمه على أحد صروح الأدب والثقافة أو شتى صور التكريم فهو يستحق هذا التكريم عن جدارة واستحقاق، وكثيرا ما كان يقول، رحمه الله: الأديب في الكويت مهضوم حقه!
فهل نزيل هذه العبارة من ذاكرتنا بتكريمه؟
مرجعية تاريخية
من جميل سمات شخصية عبدالرزاق العدساني مطالبته الدائمة بضرورة إعادة كتابة تاريخ الكويت القديم، وكان دائما يوضح في لقاءاته معنى تسمية الكويت التي جاءت من مجموعة آبار وليس الحصن.
كان معارضا لكلمة (هدية) في لهجتنا والكلمة الدارجة التي تعطي معناها هي العطية!
وكان يقولها ويرددها دائما: مبارك كان يحكم كيانا مستقلا عندما كان العراق ولايات عثمانية وكان يذكر أشهر الأكوات المعروفة: الشامية والهويدي والعدساني واسهلي والخرقاوي وبن هدبه.
أتذكر يومها أنه جعل الباحثين يناقشون هذه القضية!
الأب المفجوع الصابر
أتذكر محنة وفاة نجله أيمن الذي توفي في عز الشباب أثناء دراسته وكم كان هذا الأب المفجوع صابرا متحاملا على نفسه ليقوي أبناءه الذين فقدوا هذا الأخ فجأة.
لقد كانت هذه إحدى القواصم التي أصابت عبدالرزاق العدساني ولم يرحمه هادم اللذات يوم وفاة رفيقة دربه أم إبراهيم فاطمة بودي.. من ذاك التاريخ وجدت صاحبي يتهاوى ويذبل حتى استرد الله أمانته فيه، رحمك الله أبا إبراهيم لقد علمتنا كيفية الصبر على تجرع مصائب الموت بكثير من الحمد والشكر والصبر.
٭ اليوم وأنا أكتب لم أتمالك نفسي من سقوط الدمعة عندما كنت أتذكره يقول: لقد عوضني الله بابنتي حصة واخوانها وكان كثيرا ما يبين لي في جلوسي معه حبه لأسرته وعياله إبراهيم وأسامة ومحمد وأيمن، رحمه الله، وخالد وطارق، وتبقى حصة أثيرته لأنها وحيدة بين ذكور، وكان رحمه الله حنون القلب محبا لأسرته الصغيرة وعائلته الكبيرة.
تعزية ومواساة
بالأمس الأربعاء عصرا في مقبرة الصليبخات احتضنت الكويت في ثراها جثمان ابنها البار عبدالرزاق محمد صالح العدساني وسط دعوات مشيعيه ليودعوه عند رب رحيم وبدعوات نبتهل بها إلى العلي القدير أن يجزيه خير الجزاء على ما قدم لبلده وأهله، ورحمك الله أبا إبراهيم وأسكنك فسيح جناته.
نماذج من شعره الوطني
دار العز
دارُ عِـــــزٍّ واعْتِــــزازٍ يـــا يَمَنْ
مَنْ تَسمى في عُلاها «خُويَمَنْ»
دارُ أحْــرارٍ علــى مَــــرِّ الزَّمَنْ
اسمُــهُ عَمْـــــرو بن مَعْدٍ يَكْرُبٍ
دُرَّةُ الغَـــــوّاصِ في بَحْرِ المُنى
قَبْلَهُ البَتَّــــــار سَيْفُ بن يَزَنْ
بِنْــــتُ رَعْــــــــدٍ وبُــــــروقٍ ومُزنْ
فَنَعيمٌ في عُمـــومِ أرْجـائـهــــا
فيها تــِسْـعٌ بالقُطامي(1) عُرِفَتْ
طاب فيها كلُلُّ مَنْ فيها سَكَنْ
قد غَشاها المَوْجُ في بَحْرِ عَدَنْ
وكَفـــى شَمْسان(3) فيها جبلاً
شاهِدُ الـــحَــــقِّ لَهــــــا تَبَّابُـهــا
سَكَــنٌ قَدْ طابَ فيها مَنْ قَطَنْ
يوسُفُ الدُّوخي(2) كِتاباتٌ وفَنْ
فيهِ عَيْـنٌ قَـــدْ تَجَـلَّتْ وَلَمى(4)
مَوْطِــــنُ الجَنّاتِ في أرْضِ العُلا
حـارَ فيها دَمْعُ عَيْـــــــنٍ بالجَفَنْ
أَرْضُ حُـبٍّ واشْتِيــــــاقٍ ووَطَـــنْ
إنَّ بالصُبْـــــحِ نَسيـــــــمٌ بــــارِدٌ
وعُيونُ النَّرجِـــس الــزُّرْق التــــي
أو بِهَبَّــاتِ الصَّبــــا رَوْحٌ سَــخَنْ
حَمَـــلَتْ بالحُسْنِ إحْسانَ الحَسَنْ
وحَمــــــامٌ راعِبيّــــــــاتٌ شَــــدَتْ
وحَسِـيـــنٌ بِالهَـــوى مــــا مِثْلـــه
في هَديلٍ مِنْ نَواحٍ في لَحَنْ
وعَطــاءُ الكَــفِّ قَدْ فــــاقَ المِنَـــنْ
صَوْتُها الأخَّـاذُ مـــا مِنْ مِثْلِهِفَلها ذِكْـــرى تَواريــخٌ مَضَـــتْ
أجْمَلُ الأصْواتِ مِــنْ طَيــر الشَجَنْ
شَهِدَتْ أمْرَ الهَوى فيها المِحَنْ
حَكَمَـــتْ أيامُنـــا ظُلْمُ الوغــى
وَكْـــرُ صَقْــــــرٍ وعـِـــــرينٌ للوغى
فَتهاوى الحُسْنُ مـن غَيْرِ ثَمَنْ
(1) القطامي: هو النوخذة المعروف عيسى القطامي، رحمه الله، الذي اكتشف الصخور الكبيرة في بحر عدن ودونها.
(2) يوسف الدوخي: هو الدكتور والفنان الأديب العصامي.
عمل في صغره تبابا في بوم النوخذة عبدالوهاب القطامي وكان أصغر عامل في البوم وهو الذي ذكر حادثة اكتشاف الصخور الكبيرة.
(3) شمسان: سلسلة جبال في عدن.
(4) لمى: سمرة في الشَّفة تستحسن.