[email protected]
قالوا: الصندوق الممتلئ بالجواهر
لا يتسع للحصى، والقلب الممتلئ بالحكمة لا يتسع للصغائر!
هل تحب قارئي الكريم أن تسمع أحداث قصة سورية لأحد القضاة الذين لهم تجارة مع رب العالمين بيقين صادق بالله عز وجل.. اقرأ.. واستمتع:
يقول الشيخ محمد عوض الدمشقي، رحمه الله، عن واقعة حدثت مع أحد قضاة دمشق من عائلة الشرباتي، والشيخ كان على اطلاع على أحداثها.
كان لهذا القاضي شاب على وشك التخرج في كلية الطب بجامعة دمشق، وفي أحد الأيام عندما خرج من الكلية يريد قطع الشارع لم ينتبه إلا وسيارة أجرة تدهسه، وكان السائق من أسرة فقيرة، وبعد أن سلّم السائق نفسه للشرطة، جاء بعض أفراد أسرته للشيخ محمد عوض يطلبون منه المساعدة في جمع ما تيسر من المال لدفع الدية، والتوسط لدى القاضي والد الشاب المتوفى، وبعد سؤال الشيخ عن هذه الحادثة وتأكده من حالة السائق تم جمع بعض المال من أهل الخير، وذهب الشيخ مع مجموعة من المشايخ لتعزية الوالد، وبعد كلمة طيبة ألقاها الشيخ في الصبر والرضا ومواساتهم في هذا المصاب الجلل، خلا المشايخ بالوالد وكلموه في شأن السائق المحبوس وأنهم أحضروا معهم مبلغا لدفع الدية، وإذا بالقاضي الوالد ينتفض ويقول: معاذ الله أن آخذ ليرة واحدة، فأنا رضيت بما قدره الله على ولدي، ولا أقبل أن أبيع دمه، فقال له الشيخ محمد: نرجوك أن تقبل منا هذا المال واجعله جبر خاطر لوالدته ليخفف شيئا من مصابها، فقال القاضي: والله إنها أشد صبرا ورضا مني، بل هي التي تصبرني وتذكرني بالتسليم لله وما أعده الله للصابرين، ثم قال القاضي: يا شيخ محمد عوض لقد دخلت أنت والمشايخ بيتي ومعاذ الله أن أردكم خائبين، والله لأذهبن غدا للمحكمة وأتنازل عن حقي، وسأخرج السائق من السجن بنفسي، وأعيده لأهله، وبالفعل تم ذلك.
وتمضي الأيام ويتعاقد القاضي مع وزارة العدل في السعودية، ويعين قاضيا في محكمة التمييز بالرياض، وبعد عدة سنوات من العمل فيها يصاب القاضي بجلطة دماغية أدت لشلل نصفي مع عدم القدرة على الكلام، وبعد محاولات متعددة للعلاج في مستشفيات الرياض، وكذلك خارج السعودية لم تجد في تحقيق أي تقدم في حالته، وبعد عودتهم للرياض قررت العائلة العودة بأبيهم القاضي المشلول لدمشق ليعيش آخر أيامه فيها، واتصلوا بالشيخ محمد عوض الذي كان مقيما في تلك الفترة بالمدينة وأخبروه بحالة القاضي وما عزموا عليه.
وبعد أن جهزوا أنفسهم للرحيل أرادوا وداع المملكة بعمرة مباركة، وبعد وصولهم للحرم، وطلب الحمالين الذين يحملون العاجز الكبير على حمالة على أعناقهم كما كان يفعل ذلك في السابق، وضعوا القاضي المشلول على تلك الحمالة وبدأوا الطواف به، وبعد انقضاء شوطين من أشواط الطواف، إذا بالقاضي يلهمه الله تعالى بدعاء يقوله في سره، فخاطب الحق سبحانه بقلبه فقال: أي رب إن الشيخ محمد عوض عندما جاء بيتي ومن معه من المشايخ ليكلموني في قضية ولدي قلت لهم: إنكم دخلتم بيتي فمعاذ الله أن أردكم خائبين، وها أنا دخلت بيتك فأسألك بعظمتك ألا تخيب رجائي فيك، وأن تمن عليّ بالشفاء.
يقول القاضي: شعرت بنشاط في أعضائي المشلولة، وطلبت من الحمالين أن يتوقفوا وأن ينزلوني، وبالفعل نزل، وأكمل بقية أشواط الطواف مشيا على أقدامه باكيا حامدا لله على نعمة الشفاء.
وبعد انقضاء العمرة ذهب القاضي الى المدينة المنورة، وقصد بيت الشيخ محمد عوض، وعندما فتح الشيخ الباب إذا به يفاجأ بالقاضي واقفا على أقدامه، فقال القاضي للشيخ: أرأيت يا شيخ محمد فضل الله علي وكرمه؟! أتذكر يوم دخلت بيتي أنت والمشايخ عندما أتيتم لأجل السائق الفقير، وما قلته لكم في ذلك اليوم؟! ولقد رجوت ربي عندما دخلت بيته ألا يخيبني وأن يمن علي بالشفاء، فأجاب دعوتي، أرأيت ببركة عفوي عن ذلك السائق الفقير، وعدم رفضي لطلبكم بماذا أكرمني ربي؟! فمن الرابح أنا أم ذلك السائق الفقير؟!
أنت الفائز أيها القاضي الذي يعي الآية: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب..) البقرة 179.
٭ ومضة: فعلا الناظر في القصة يعي تماما أن القاضي السوري تعامل مع الله عز وجل بثقة الصابر الحامد الذي يرجو نيل (بيت الحمد) في الآخرة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فأخطأ فله أجر واحد».
٭ آخر الكلام: قالوا لنا وصدقوا:
ازرع جميلا ولو في غير موضعه
فلن يضيع جميل أينما زرعا
وتبقى الحقيقة: أن تكون أيها القاضي حكيما في الوقت المناسب، فذلك تسعة أعشار الحكمة.
٭ زبدة الحچي: قال رسول صلى الله عليه وسلم «الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه» رواه مسلم.
وقال تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان فبأي آلاء ربكما تكذبان) سورة الرحمن.
وتبقى الحقيقة:
إن الجميل وإن طال الزمان به
فليس يحصده إلا الذي زرعا
٭ مشاركة عزاء ومواساة
إن المعلمين عدة الأمة وقدوة الأجيال، لا يزهو مجتمع إلا بهم، هم منشئو الأجيال ودعاة الخير وقادة الزمن!
ورحل الأخ الدكتور شفيق ناظم الغبرا عن عمر يناهز 68 عاما وعرف في الأوساط الإعلامية في الكويت كرجل أكاديمي ومحلل سياسي وهو من مواليد 1953 وحاصل على العلوم السياسية وله العديد من الدراسات والمؤلفات وكان يدرس في جامعة الكويت وهو النجل الأكبر للدكتور ناظم الغبرا طبيب القلب المعروف، رحمه الله، ودكتورنا شفيق الغبرا، رحمه الله، من عائلة فلسطينية من مدينة حيفا وقد شهدت (الميديا) والتواصل الاجتماعي نعيا واسعا له لدوره المؤثر في المجتمع الكويتي، ودفن بالأمس عصرا في مقبرة الصليبخات، وندعو له الله تبارك وتعالى أن يوسع مدخله ويكرم نزله ويجعل قبره روضة من رياض الجنة ويرزقه الفردوس الأعلى من الجنة، وكل العزاء لأسرته وعائلته الكريمة وذويه ومحبيه، و(إنا لله وإنا إليه راجعون).