[email protected]
سألني حفيدي «يوسف»، وهو يحب طرح الأسئلة، وهو غير تفكيري تماما، وأنا المتهم دائما بضرورة الوقوف عند المسميات هذا شيخ وهذا تاجر وهذا وجيه وهذا، وهذا، وهذا.. قالي لي: «بابا عود»، شنو يعني لك «التاريخ»؟
قلت له باسما: ما أعظم ما سألت يا وليدي.. «التاريخ» مرة وحدة؟
ماذا أقول لك يا حفيدي وأنت تطرح أسئلة لم نكن نطرحها نحن جيل المخضرمين في سنك؟
سؤالك عن التاريخ يا «يوسف» سؤال صعب الإجابة عنه، فأمتنا يا وليدي «تاريخها» جله مزور، لأنه كتب بيد عابثة.. يد سفلى طوعت هذا التاريخ حسب «رزم المال» التي تقبضها من هنا وهناك!
والله يا وليدي إنك ستدخلني «طوفة سد» فما أكثر المزوّرين!
لقد تعلمنا على أيدي أساتذتنا أن أي أمة تريد أن تحفظ ذاتها فعليها أن تحفظ تاريخها!
ستقول لي: وكيف ذلك؟
التاريخ ذكريات محفوظة، والعمر ذكريات مطوية ومن يلتمس الخلود يجده في التاريخ ولا يجده في العمر، لأن العمر يمضي ولا يعود!
يا يوسف: أهم شيء في دروس التاريخ والتي لا يعيرها عادة الكثير من الاهتمام هي دروس التاريخ نفسه!
وظل يوسف يناظرني وأنا أضحك متعجبا وأنا اقول له: لو كان الموتى يتكلمون لما أصبح التاريخ مجموعة من الأكاذيب السخيفة!
بودي يا يوسف أن تعلم ان تاريخ العالم كله يمكن تلخيصه في حقيقة واحدة وهي: عندما تكون الأمم قوية لا تكون عادلة، وعندما ترغب في أن تكون عادلة تكون قد فقدت قوتها، انظر في صفحات التاريخ، أين الرومان والفرس والتتار والعثمانيون والصليبيون وغيرهم أمم سادت ثم بادت.. أليس كذلك؟
تاريخهم كله يُكتب حسب المزاج الشخصي وليس العلمي المدقق للأسف.
٭ ومضة: الحروب يا يوسف موضوع مهم للمؤرخين بينما حقب السلام تبعث على الملل في الكتابة!
باختصار.. التاريخ كما قرأته (أنا) هو شيء أكثره مزور ويعبّر عن صور عبث الإنسان فكم بطل أخفي ملفه وكم مدعٍ ظهر في صورة بطل!
هناك يا وليدي قوى خفية تحكمت في الماضي وتتحكم في الحاضر ومن يتحكم في الماضي والحاضر يتحكم في المستقبل للأسف.
يا وليدي لقد تعلمت درس عمري وهو ان الجغرافيا تحكم التاريخ لا بل تصنع التاريخ!
تبقى الحقيقة يا يوسف.. أن التاريخ هو حصيلة دائمة الحدوث والذي يملك القرار يملي كتابة التاريخ، والتاريخ يعلم الإنسان الدروس ويجعله أكثر وعيا على اتخاذ الخطوات المناسبة نحو الحاضر والمستقبل.
٭ آخر الكلام: في الأفكار وفي الشيخوخة خلود، واتحاد الاثنتين يصنع التاريخ يا يوسف.. فهل علمت وعرفت؟
الإنسان يمر في فترات زمنية ولا يملك الحكمة ولا يعرف التاريخ الا في شيخوخته!
٭ زبدة الحچي: يا يوسف.. التاريخ يشرح الماضي ويفسر الحاضر وينير المستقبل حسب المكتوب أكان بيد أمينة أم مزورة، وعليك يا وليدي في مستقبلك القادم، إن شاء الله، أن تعلم ان الأهم صنع التاريخ لا كتابته!
وتبقى النصيحة لك ولجيلك الآني والمستقبلي أن تتذكروا دائما: التاريخ عبرة ومدرسة والويل كل الويل إذا كان هذا التاريخ مكتوبا لغرض أو هوى!
يجب أن يكون المؤرخون دقيقين أمناء شرفاء غير (مهمزين بالمال) ولا ينبغي للمصلحة الخاصة أو الخوف أو الحقد أو التهديد أو العاطفة أن تحولهم عن جادة الحقيقة!
رحم الله من كتب التاريخ بمداد الصدق والحقيقة.. والوصية أن تكتبوا التاريخ من جديد على أيدي مؤرخين يكتبون الأحداث ويجمعون المعلومات ويفسرونها ويحققونها ويزيلون الكذب منها، لأن التاريخ شاهد للأحداث دون تزوير وهو فن صادق من المهنية، لحفظ ذاكرة الزمن والشخوص ومرجع للأمم والأجيال.. يوسف أتعبت جدك.. ربي يحفظك ويحفظ التاريخ!
..في أمان الله.