[email protected]
الماي في الكويت له قصة عجيبة لصعوبة الحصول عليه، ولذا يمكن كلمة (شُوَطْ) التي كان يقولها (الكندري) حامل الماء على كتفيه متجولا بين أهالي الفرجان والمناطق، مطلقا صيحته المعهودة (شُوَطْ) بأعلى صوته، وهو بهذا يُخبر الناس أن ماءه هو ماء (شط) وليس ماء آبار، فيسمعه الراغب في الشراء ويناديه بعد الاتفاق معه على السعر ويفرغ علبتيه في الأواني المعدة مثل (اليحله أو ألبيب) وتتوالى الدروب كلما دفع المواطن له ثمن الماء، ويُسجِّل الأشواط على جدران المنزل، فيخرج من جيبه مسمارا ويخط بيده خطا جديدا إلى جانب خطوطه المتساوية لعدد (دروبه) التي
نقلها للأسرة، وهذا الخط على الجدران حتى لا ينسى عدد الدروب التي أُفرغت لهم.
تعيش الكويت العامرة هذه الأيام بديمة الخير ونزول الغيث هنا وهناك، جعلها الله سقيا خير للبلاد والعباد.
لعظمة نعمة المياه في الديرة، أطلق أهلنا الكرام عبارة «الماء عديل الروح»!
وكان الماء «صعب المنال» في الكويت، فبعد تكاثر أهلها كان اعتمادهم على الأمطار المتساقطة والآبار الحلوة، وهذا لا يكفي حاجاتهم، ففكروا بجلب مائهم من (شط العرب) بواسطة سفنهم الشراعية، حيث تنقله وتصبه في برك بحذاء الساحل، وأشهرها (بركة شرق - بركة غنيم في القبلة).
ويتم نقل المياه إلى الأهالي بواسطة (الكندر) وهو رمح طويل تتدلى من كلا طرفيه علبتان من التنك (قواطي)، وقد أوضحت كيف كان ينقل (الكندري) الماء عبر أشواط، وكانوا أيضا يطلقون لقب (الحمَّار) على كل من يحمل الماء.
ومن هؤلاء الأخيار الذين عملوا في الكويت فئة (المهارة) وهم من المهرة من جنوب اليمن، ونسميهم (المهارة ومفردها مهري) واختصوا في الكويت القديمة بنقل الماء من البرك، وبعد الاستقلال كانوا يبيعون (وصل الخام) على الفرجان في المناطق، وتراهم يجوبون الحواري والفرجان، قائلين: خام خام، أي أثواب النساء!
٭ ومضة:
الماء في الكويت قديما (نادر) وشحيح ويحتاج إلى جهد ومال للحصول عليه، وكان (الماء الحلو) يستخدم للشرب والطبخ فقط، وما عدا هذا فيستخدم ماء البحر أو الآبار (ماء خريج) أي مالح!
كانت النساء يذهبن إلى الشاطئ ويغسلن الثياب والأواني، وكن ينشرن الملابس المغسولة على الصخور تحت أشعة الشمس الحارة ثم تجمع في (صرة) ويستخدمن المضرابة الخشبية للتنظيف.
وكانت حولي والشامية والسالمية فيها (قلبان) أي آبار مياه حلوة المذاق.
٭ آخر الكلام:
يا الله كم أنت كريم في عطاياك، فبعد شرب أهالينا من مياه شط العرب والخباري ومفردها (خبرة) ومعناها (منقع ماء) يتجمع ويُشكل خباري طويلة وعريضة وبعد مياه السطوح الوسخة التي تنزل من المرازيم وآبار المياه الخريچ المالحة، وهكذا راح زمن (الشَّترْ) وهي قطعة قماش مخيطة الأوصال ترفع من جهاتها الأربع بحبال وتربط بأخشاب الأسقف المطلة أو الأعمدة أو بالمسامير، ويوجه ثقبها لتجميع المياه النظيفة، إنها قصة معاناة حتى أمر «أبو الدستور» الشيخ عبدالله السالم، طيب الله ثراه، بعمل محطات المياه التي جعلت الكويت تأخذ حاجتها من المياه.
وعلى هذا الجيل والعمالة في المنزل معرفة قصة المياه حتى يوقفوا الهدر، وهذا يحتاج الى حملة وطنية تشارك فيها كل قطاعات المجتمع المدني.
٭ زبدة الحچي:
ذهب زمن المناطق المعروفة بالماء الحلو مثل المقوع الشرقي وتُسمى مياهه بودواره - الدسمة - الشامية والنقرة وحولي، يقول أحد الشعراء:
ماء الحولي مثله ما دارا
من حسنه قد تيه الأفكارا
وكذلك عرفت السالمية (الدمنة) والراس والبدع والمسيلة والفنيطيس والفنطاس وأبوحليفة والفحيحيل والجهراء، وآبار فيلكا.
الماء أيها الكويتيون والوافدون نعمة علينا المحافظة عليها بكل السبل المتاحة، وليذكر التاريخ هذه الصرخة، فالماء عديل الروح فانتبهوا يا أولي الألباب !
في أمان الله...