[email protected]
«الصدور خزائن الأسرار، والشفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كل امرئ مفتاح سره» (عمر بن عبدالعزيز).
ينبغي في هذا الزمن الذي كثر فيه الحسد والحقد أن يظهر منها ما يبين أثرها ولا يكشف جملتها وهذا من أعظم لذات الدنيا التي يأمر الحزم بتركها، فإن العين حق!
قال تعالى: (والله يعلم ما تسرون وما تعلنون.. - النحل: 19).اليوم الناس بعيدة عن الإيمان الحقيقي فهي تحسد ولا تغبط!
ومن أجمل ما قرأت في هذا السياق الحيوي ما كتبه الإمام أبوالفرج عبدالرحمن بن الجوزي (510 - 597 هـ). يقول في «صيد الخاطر»: وإني تفقدت النعم فرأيت إظهارها حلوا عند النفس، إلا أنها إن ظهرت لوديد (فعيل بمعنى فاعل من ودّ) لم يؤمن تشعث (تفرق وتمرق) باطنه بالغيظ، وإن أظهرت لعدو فالظاهر إصابته بالعين لموضع الحسد، إلا أنني رأيت شر الحسود كاللازم، فإنه في حال البلاء يتشفى، وفي حال النعم يصيب بالعين.
وكتمان الأمور في كل حال فعل الحازم، فإنه إن كشف مقدار سنه استهرموه إن كان كبيرا، واحتقروه إن كان صغيرا!
وإن كشف ما يعتقده ناصبه الأضداد بالعداوة، وإن كشف قدر ما له استحقروه إن كان قليلا، وحسدوه إن كان كثيرا وفي هذه الثلاثة يقول الشاعر:
احفظ لسانك لا تبح بثلاثة
سن ومال ما استطعت ومذهب
فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة
بمُمَوّه وممخرق ومكذب
وقس على ما ذكرت ما لم أذكره، ولا تكن من المذاييع الغر (أي الذين لا يكتمون السر وهم المذاييع الغر غير المجربين)!
ويقصد هنا إفشاء الأسرار إلى من لا يصلح أو حاسد أو حاقد!
وتذكروا:
رب كلمة جرى بها اللسان هلك بها الإنسان!
قال تعالى: (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى - طه: 7).
ومضة:
اليوم القارئ الكريم: ما بين صعوبة البوح ويكمن هذا في قلبه: أخبرهم! وبين عقله الذي يهمس له صارخا: ستندم!
وتبقى الحقيقة: قد يكون الكتمان مريحا، إلا أنه قد يكون مؤذيا أحيانا!
يقول الشاعر:
وقد تنطق الأشياء وهي صوامتٌ
وما كل نطقِ المخبرين كلامُ
كثير من الناس رأيتهم في حياتي يؤثرون الصمت في زمن الثرثرة، أنا شخصيا علمتني الحياة أن أصمت لأننا في زمن ما عاد هناك سر؟
واقع مليء بالحسد والحقد وتمني زوال النعمة عن الغير وإن تكلمت تُظلم وتفهم خطأ مع الأسف؟!
قيل في الأثر كما تعلمنا وقرأنا وسمعنا: صدرك أوسع لسرك من صدر غيرك!
آخر الكلام:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود» رواه الطبراني وصححه الألباني.
في هذه الدنيا (حساد لكم) فاحذروهم يا أهل النعم!
قال الشاعر:
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه
فصدر الذي يستودع السر أضيقُ
زبدة الحچي:
التجربة الحياتية علمتنا أن نعمل ما عزمنا عليه بالكتمان حتى ينفذ وينتهي وكتمان السر هذا إذا كان خاصا بك أو لشخص ائتمنك عليه فاحفظه، سترك الله، حتى لا تكون أنت وصاحبه عرضة للمضار والأخطار.
تذكر عزيزي القارئ: إن كل ذي نعمة محسود.. استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان!
.. في أمان الله.