[email protected]
ما أبله من لا يعلم متى يأتيه الموت وهو لا يستعد للقائه!

هل للعلياء والقبول في الحياة ثمن في قلوب وضمائر الناس؟
هذا ما سألته نفسي وأنا أحاول أن أرثي من كانت ترجو ثواب الآخرة بقوة الاجتهاد والتعبد وبتحصيل الفضائل وقد تأملت سيرتها ومسيرتها فوجدت سيرتها عطرة مليئة بالجد والتوفيق والفلاح وحمل القرآن حفظا وتجويدا وتفسيرا وعملا به، بعيدا عن الربح والخسران والحسرة!
قال الشاعر:
ولا يموت ميت إن كان
في ذكراه ما يبقى ويخلد
أرثي اليوم أختنا في الله العالمة الجليلة د.فاطمة بنت عمر نصيف، رحمها الله، وهي من مواليد منطقة أحد البيوتات العريقة في جدة، ولدت سنة 1944م وتوفيت عن 80 عاما عاشتها من الدعوة وكان شعارها الذي لازمها طوال 50 عاما في خدمة القرآن الكريم «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».
انتقلت إلى رحمة الله فجر الثلاثاء 9 رجب 1444هـ الموافق الثلاثاء 31 يناير 2023م، ودفنت في البقيع بالمدينة المنورة وقد تحققت رغبتها في الدفن هناك بعد انتقال جثمانها الطاهر في أجواء ماطرة وكأن السماء تبكي وتشارك فراق هذه النقية البارة بأهلها ونسلها وصاحباتها وكل من عرفها.
خيمة حزن تلف بيت (آل نصيف) الكرام وكل من عرف هذه الداعية صاحبة الفضائل والمآثر، الأم الداعية المعلمة حاملة المفاخر، أنموذج مثالي من النساء في ترك الأثر!
أواه يا دكتورة فاطمة أم أبلة فاطمة أم الأستاذة فاطمة، ثمانون من عمرك المبارك غدت مثل لمح البصر في مسيرتك الإيمانية والقرآنية والتربوية والدعوية.
يا خادمة القرآن الكريم، هنيئا لك جهدك في هذا الكتاب المجيد الذي حفظته ومارست الدعوة به وله ثم صرفت جهدك ليكون للفتيات عاصما من المزالق.
لقد عرفت أختنا د.فاطمة نصيف - طيب الله ثراها ومثواها - أيام عملي مديرا للإعلام في الهيئة الخيرية الإسلامية، وكانت تتصل بالعم يوسف جاسم الحجي رئيس الهيئة حينذاك حول العمل الدعوي والخيري والقرآني، وهي متحدثة لبقة في تواضع جم، ومالكة ناصية الحديث ومقنعة في حواراتها مع أي طرف آخر، ورغم ان (أخاها) د.عبدالله عمر نصيف عضو مجلس إدارة الهيئة إلا انها كانت تتعامل معنا بشكل مباشر ومنجز، تاركة أثرا كبيرا في نفس محدثها أو أخواتها في اللجنة النسائية الخاصة بالهيئة، وكانت أختنا (أم جبري) هي وسيطتنا في إنجاز الأمور والأعمال المشتركة معها.
د.فاطمة نصيف فازت بالكثير من الجوائز المحلية في المملكة العربية السعودية والإقليمية والعربية والإسلامية وهي عضوة متعددة المواهب، شهد بفضلها وبركاتها كل من عرفها أو عايشها أو قرأ لها أو تعامل معها، فهي بالفعل شخصية عالمة معطاءة دمثة الخلق متواضعة في الدعوة والقرآن، لا تكل ولا تمل ولو على حساب وقتها وجهدها وصحتها.
لقد عملت للدار الآخرة:
الموت باب وكل الناس داخله
يا ليت شعري بعد الباب ما الدار؟
٭ ومضة:
د.فاطمة بنت عمر نصيف، رحمها الله، كانت تحمل دكتوراه في الكتاب والسنة من جامعة أم القرى وأنا أقف بإكبار أمام سيرتها، فلقد حفظت القرآن كاملا في سن صغيرة، وترأست القسم النسائي بجمعية «خيركم» لأكثر من 25 عاما، وأسست العشرات من دور تحفيظ القرآن بجدة، وترأست اللجنة النسائية بهيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وشاركت في الكثير من المؤتمرات المحلية والإقليمية والعربية والدولية، لها العديد من المؤلفات المختصة بعلوم القرآن، وهي من مؤسسات وقف أكاديمية تالية لتعليم القرآن الكريم.
٭ آخر الكلام:
أفاض أستاذنا الشاعر د.عبدالرحمن العشماوي في أبيات شعرية بإبراز خصالها الإنسانية فقال:
أفاطمة العلم إن ترحلي
فرحلة ذي الخلق الأجمل
ورحلة من بذلت عمرها
لأعمال خير ولم تبخل
ورحلة داعية نفسها
تتوق إلى العمل الأفضل
ولسنا نزكّيك لكنها
شهادتنا للعطاء الجلي
رحلت إلى الله وهو الذي
يجود بإحسانه الأكمل
٭ زبدة الحچي:
د.فاطمة نصيف، كانت بلا منازع أماً للجميع، لكل من عايشها عن قرب، ونقول في حقها (شهادة حق) ولا نزكي على الله أحدا، فلقد كانت بالفعل «عقلا دعويا مفكرا حكيما وبحرا من العلم وعطاء ممتدا لا حصر له»، وهو تاريخ أسري وعلمي ودعوي صنع هذه المربية، ما أوصل صيتها إلى مشارق الأرض ومغاربها.
قرائي الأعزاء في كل مكان: نستودع اليوم الداعية العابدة الزاهدة د.فاطمة نصيف، في ذمة الله، وندعو لها عند رب رحيم وروح وريحان فهي (خادمة القرآن) ومن خاصته وقد حملت القرآن في قلبها وكان على الدوام مرافقا لمسيرتها، وسميت «درة الداعيات»!
لقد صدرت لها حتى الآن «ثلث القرآن المفسر» والباقي تحت الإصدار، وقد صدر لها أيضا كتاب «أخلاقنا في الميزان». نعزي المملكة العربية السعودية والبلاد العربية والإسلامية بهذه الفقيدة التي جعلت من القرآن الكريم علما وعملا، وليكون الآن أنيسا لها في قبرها إن شاء الله.
إني داعٍ لها فأمِّنوا: اللهم اغفر وارحم أختنا د.فاطمة عمر نصيف، وأوسع مدخلها وأكرم نزلها، اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة، ومنزلتها في الفردوس الأعلى من الجنة في جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا «درة آل نصيف» لمحزونون.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
.. في أمان الله.