[email protected]
قضيت إجازتي الأسبوعية مع كتاب صدر في عام 2011 لفنسان نوزيل، وهو صحافي لامع تميزت أعماله بإجراء التحقيقات الصحافية، وهو متخصص في الملفات الاقتصادية وكذلك التحقيقات التاريخية، وكان مراسلا لعدد من الصحف والمجلات الفرنسية وله إصدارات عديدة مثل: ضد المخدرات ـ العرابون الكورسيكيون ـ المسممون ـ نواب تحت التأثيرات ـ الجاسوسية ـ أسرار محفوظة بشكل جيد جدا.
الكتاب يضم 788 صفحة ويتناول ثلاثة أقسام في 18 فصلا ويجمع وثائق ويتحدث عن الملفات السرية لوكالة المخابرات المركزية والبيت الأبيض والإليزيه متناولا أسرار الرؤساء!
الكتاب بالفرنسية (الأصل) وقد ترجمه وطبعه «جروس برس ناشرون» وهو يتحدث بالوثائق عن المقتنيات الرسمية الاستثنائية والاتفاقيات السرية بين الرؤساء!
ويكشف على امتداد العقود الثلاثة الماضية عن سلسلة الحلقات الرئيسية للأحداث بدءا من وصول اليسار الفرنسي الى السلطة في مايو 1981 حتى وصول ساركوزي في عام 2007، كما يشير الى سقوط جدار برلين وتفجيرات 11 سبتمبر 2001 والمفاوضات المتعلقة بتحرير الرهائن في لبنان وحروب العراق ونهاية صدام حسين واغتيال رفيق الحريري والعمليات السرية التي نظمت ضد معمر القذافي وطريقة التعاطي مع الملف النووي الإيراني.. الكتاب مليء بأسرار الرؤساء وخفاياهم!
يقول المؤلف: الرؤساء يخفون عنا الأمور وضروري الحذر من المظاهر وبدأ يعرض المواقف الخادعة التي مرت بها فرنسا أمام نظرائها الأوروبيين وما يقوم به الأميركيون ويستخلص الدرس «ما يقوم به الأميركيون اعمل عكسه»!
حينها تكون متأكدا من صحة ما تقوم به!
ويذكر هنا انه في عام 1981 انتخب الرئيس فرنسوا ميتران رئيسا لفرنسا وهو يحمل الفكر اليساري المتشدد وهذا يعني انه سينصب وزراء شيوعيين في حكومته مما أرعب دعائم إدارة ريغان فالروس سيسيطرون على مقاليد الحكم في باريس!
ولكن الواقع انه سرعان ما هدأت نفوس المحافظين المتشددين في واشنطن نتيجة المبادرات السرية التي أجرها ميتران معهم في الخفاء!
وسرعان ما خنقت فرنسا الشيوعيين بعد زيارة الرئيس جورج بوش قصر الإليزيه عندما كان نائبا للرئيس في الولايات المتحدة ثم تم التصريح الفرنسي بأن دخول الشيوعيين الى الحكومة ستترتب عليه نتائج سلبية!
ثم بدأ عهد انقراض الشيوعيين بسرعة اكبر بعد تحديد سياسة فرنسا الخارجية مما جعل الوزراء الشيوعيين يتبوأون مناصب لا أهمية لها!
وفي 1983 قام الرئيس ميتران بطرد 47 ديبلوماسيا سوفييتيا مزيفا مما جعل الرئيس ريغان يقول للرئيس ميتران: كان دورك عضويا في الحلف الأطلسي ولهذا لايزال كثير من المحللين يحاولون تفسير احتفاظ الرئيس ميتران في مكتبه في الإليزيه بصورة للرئيس ريغان عنوان محبة سرية لهذا «الكابوي» الغريب البعيد تمام البعد عن ثقافة ميتران السياسية اليسارية!
ويضم الكتاب في فصله الرابع: مشروع تصفية القذافي وكيف لعبت فرنسا دورا مباشرا لأنها رفضت تخطي القواعد التي خطتها لنفسها في هذه المشاركة مما تسبب في خلافات بين ميتران وريغان فوجهة النظر الأميركية كانت تعتبر ان ديكتاتور طرابلس رئيس الجماهيرية الذي زودته موسكو بترسانة أسلحة حرب ينطلق من عقيدة إسلامية غريبة وهو مهووس خطر وروج عنه بأنه مصاب بمرض عضال وتنتابه نوبات هستيريا وإحباط، وعندما نجح القذافي في قلب نظام الحكم في تشاد دعم مشروعه الاتحاد الليبي- التشادي المشترك وبدأ يتصل بالعواصم الأفريقية في حين تطالبه الولايات المتحدة بسحب القوات الليبية من تشاد دون جدوى!
طبعا قامت الولايات المتحدة بحملة تسميم كبيرة ضد الخطر الليبي منفردين وبمعزل عن المساندة الفرنسية مما دعا وكالة المخابرات المركزية الأميركية لدعم نظام حسين حبري لاستعادة السلطة وهذا ما جعل الرئيس ميتران يعترف بغموض موقفه إزاء القائد الليبي وهو في حقيقة الأمر يحاول ان يحد من النفوذ الأميركي في تشاد، وبعد عملية «مانتا» فرنسا حسمت موقفها في تشاد واعتبرت التمدد الليبي امرا عدوانيا للغاية وتسارعت الأحداث فقام الأسطول الأميركي في عام 1986 بالدخول الى خليج «سرت» بأمر من الرئيس ريغان الذي اعترضت عليه ليبيا، وقال البيان الأميركي: سنقتل القذافي.. هل نستطيع التحليق فوق فرنسا؟!
ولعل أصدق تصريح المنسوب لنائب الرئيس الأميركي جورج بوش في عام 1987 والذي له دلالة عندما قال: القذافي لا يتحمل لكنني اظن انه على شفير الهاوية.
ومضة: الكتاب مشوق ومليء بالمعلومات ويتحدث عن فترة الرئيس ميتران والرئيسين شيراك وساركوزي وما يلفت النظر انه يتعرض لقضية فخ الرهائن في لبنان وخفايا حرب العراق ويضم بابا عن: إجبار سورية على إعادة ما سلبته!
يقول شيراك في مقابلة رأيه بصراحة: ان الأقلية العلوية الصغيرة تقود سورية بيد من حديد من عصر الحرب الباردة وبأساليب مستوحاة من المعسكر السوفييتي.
وبخصوص هذه العبارة: إجبار سورية على إعادة ما سلبته هو (لبنان المحتل) من القوات السورية!
آخر الكلام: كان لدى الرئيسان شيراك وبوش من ذلك التاريخ موضوع يقلقهما وهو البرنامج النووي الإيراني! لأن التقارير الاستخبارية كانت تنذر بأنه في نهاية عام 2006 سيكون لدى إيران ما يكفي من اليورانيوم لصنع قنبلة!
زبدة الحچي: الجميل في الكتاب انه يستعرض المحادثات الهاتفية بين الرؤساء جورج بوش (الأب) وفرنسوا ميتران دون حذف أثناء حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي الغاشم.
كتاب توثيقي فيه جهد كبير لمراحل مرت بهذا العالم وكنا نرى الصورة ولكنها كانت «كاذبة» فما يدور في الكواليس غير المرئي والمسموع والمنشور للأسف.. فمتى تصحو أمتنا من هذا السبات العميق «نومة أهل الكهف»!