[email protected]
يبه.. ليس هناك أجمل من هذه الكلمة!
اللي والده «عايش» ادخل عليه وقبّل يده، واخرج وأنت تقبّل يده..
الأب بعد الأم هو الأغلى.
لا يوجد «شخص» يخاف عليك مثل والدك.
في شهر يونيو من كل عام يحتفلون باليوم العالمي للأب.. وسبقهم الإسلام إلى هذا في قوله تعالى: (وبالوالدين إحسانا).
يحكى في الأثر القريب ان أبا دخل غرفة ولده ووجد المصباح مضاء فقال له مؤنبا ومعاتبا: لم لا تطفئه؟
يا بني هذه نعمة، أنت ستدفع الفاتورة؟.. طبعا لا، أنت راح تغير اللمبة؟.. طبعا لا!
دخل الحمام فقال الأب بعلو صوته: لم لا تحكم إغلاق صنبور الماء قبل خروجك من الحمام؟ لم هذا الهدر؟ ألا تعرف أن الماء عديل الروح؟!
ظل الولد يتساءل لِم دائما والدي يعاتبني على هدر الكهرباء والماء؟
هكذا هم جيل اليوم يتحلطمون ويتكدرون من نصائح الآباء لهم.. هذه هي الحقيقة!
وفي اليوم الذي طال انتظاره يوم مقابلتي للوظيفة بإحدى الشركات استيقظت مبكرا ولبست أجمل ثيابي وتعطرت وهممت بالخروج وإذا بيد «تربت» على كتفي عند الباب، التفت فوجدت أبي مبتسما رغم الذبول في عينيه وأعراض المرض وهو يتحامل على نفسه ليبدو انه غير مريض، وناولني بعض النقود وقال: أوصيك بالإيجابية، كن واثقا من نفسك ولا يهزك أي سؤال؟
كنت أقول يا والدي ليتك تكف عن النصائح، ولست بحاجة الآن لتعكير مزاجي، وخرجت مسرعا وركبت سيارة الأجرة وتوجهت الى الشركة ولم يكن هناك «حراس» عند الباب ولا موظفو استقبال سوى لوحات ارشادية تقودك الى مكان المقابلة.
بمجرد ان دخلت من الباب لاحظت ان مقبض الباب قد خرج من مكانه وأصبح عرضة للكسر ان اصطدم به أحد، وتذكرت هنا نصيحة والدي بأن أكون «إيجابيا» فقمت برد مقبض الباب الى مكانه وأحكمته جيدا.
ثم تتبعت اللوحات الإرشادية ومررت بحديقة الشركة فوجدت الممرات غارقة بالمياه التي كانت تطفو من أحد الأحواض الذي امتلأ بالماء الى آخره، وقد بدا ان البستاني قد انشغل عنه، فتذكرت تعنيف أبي لي على هدر المياه، فقمت بسحب خرطوم المياه من الحوض الممتلئ ووضعته في حوض آخر مع تقليل ضخ الصنبور حتى لا يمتلئ بسرعة الى حين عودة البستاني.
ثم دخلت مبنى الشركة متتبعا اللوحات وخلال صعودي على الدرج لاحظت الكم الهائل من مصابيح الإنارة المضاءة ونحن في وضح النهار، فقمت لاإراديا بإطفائها خوفا من صراخ أبي الذي كان يصدح في أذني أينما ذهبت.
إلى أن وصلت إلى الدور العلوي ففوجئت بالعدد الكبير من المتقدمين لهذه الوظيفة.
قمت بتسجيل اسمي في قائمة المتقدمين وجلست انتظر دوري وأنا أتمعن في وجوه الحاضرين وملابسهم لدرجة جعلتني أشعر بالدونية من ملابسي وهيئتي أمام ما رأيته، والبعض يتباهى بشهاداته الحاصل عليها من الجامعات الأميركية.
ثم لاحظت ان كل من يدخل المقابلة لا يلبث إلا ان يخرج في أقل من دقيقة.
فقلت في نفسي ان كان هؤلاء بأناقتهم وشهاداتهم قد تم رفضهم فهل سأقبل أنا؟!
فهممت بالانسحاب والخروج من هذه المنافسة الخاسرة بكرامتي قبل ان يقال لي نعتذر منك.
وبالفعل انتفضت من مكاني وهممت بالخروج فإذا بالموظف ينادي على اسمي للدخول.
فقلت لا مناص سأدخل وأمري الى الله.
دخلت الغرفة المقابلة وجلست على الكرسي في مقابل ثلاثة أشخاص نظروا الي وابتسموا ابتسامة عريضة ثم قال أحدهم متى تحب أن تتسلم الوظيفة؟
فذهلت لوهلة وظننت أنهم يسخرون مني أو انه أحد أسئلة المقابلة ووراء هذا السؤال ما وراءه.
فتذكرت نصيحة أبي لي عند خروجي من المنزل بألا أهتز وأن أكون واثقا من نفسي.
فأجبتهم بكل ثقة: بعد أن أجتاز الاختبار بنجاح، إن شاء الله.
فقال آخر: لقد نجحت في الامتحان وانتهى الأمر.
فقلت ولكن أحدا منكم لم يسألني سؤالا واحدا!
فقال الثالث: نحن ندرك جيدا انه من خلال طرح الأسئلة فقط لن نستطيع تقييم مهارات أي من المتقدمين.
ولذا قررنا أن يكون تقييمنا للشخص عمليا..
فصممنا مجموعة اختبارات عملية تكشف لنا سلوك المتقدم ومدى الإيجابية التي يتمتع بها ومدى حرصه على مقدرات الشركة، فكنت أنت الشخص الوحيد الذي سعى لإصلاح كل عيب تعمدنا وضعه في طريق كل متقدم، وقد تم توثيق ذلك من خلال كاميرات مراقبة وضعت في كل أروقة الشركة.
يقول صاحبي..
حينها فقط اختفت كل الوجوه أمام عيني ونسيت الوظيفة والمقابلة وكل شيء.. ولم أعد أرى إلا صورة أبي!
ذلك الباب الكبير الذي ظاهره القسوة ولكن باطنه الرحمة والمودة والحب والحنان والطمأنينة.
شعرت برغبة جامحة في العودة الى البيت والانكفاء لتقبيل يديه وقدميه.
اشتقت الى سماع صوته وموسيقى صراخه تطرب أذني.
لماذا لم أر أبي من قبل؟! كيف عميت عيناي عنه؟
تمنيت لو أملك «بساط الريح» لأعود الى بيتي واحتفل معه بفوزي بالوظيفة.
ما ان وقف التاكسي عند منزلنا حتى رأيت «جماعة» من الناس وتصاعدت ضربات قلبي فتلقاني جاري باكيا واحتضنني قائلا: عظم الله أجرك في أبيك.. توفي في الحال.
هل مات أبي؟.. نعم.. مات للتو!
كلا هو يحيا بداخلي بمبادئه وتوجيهاته، لم يمت أبي ولن يموت.. فأنا أحيا بما تعلمته من أبي!
ومضة: والدك عايش «دلـله وبرّه» واعتنِ به فهو جنتك!
وإن كان متوفى «ترحّم عليه وبره بصدقاتك» وادعُ له في الليل والنهار.
آخر الكلام: ليس بعد الأب أب!
زبدة الحچي: قال تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا ـ الأحقاف: 15).
وقال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «أنت ومالك لأبيك».
تذكروا «ثلاث» دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده..!
والدي.. رحمك الله، علمتني وأدبتني وإني لك مادمت حيا من الشاكرين فضلك.. فيا رب اغفر له وارحمه كما رباني صغيرا.
والدعاء موصول.. لكل «أب» انتقل إلى رحمة الله.. يا مال الجنة!