[email protected]
في بداية شبابي وقفت على مقولة نابليون بونابرت: إنني أرهب صرير الأقلام أكثر من دوي المدافع!
وعندما كبرت ودخلت ميادين العمل النقابي والإعلامي والصحافي تحديدا في التحقيقات الصحافية في المناطق الخطرة المشتعلة ازداد إيماني أكثر بأن «صرير القلم» أقوى من طلقة السلاح!
وعندما عملت في المجال التربوي والإعلامي والخيري عرفت عن قرب وأنا أعمل في «بلاط السلطة الرابعة» الفرق بين كاتب «متعفف» وبين كاتب «متعهر» مرتش قبيض!
الفارق بين الاثنين ان الأول مثقل بالواجب والآخر للأسف مثقل من ذلك الواجب!
سألني صديقي البروفيسور بوشميس: من هم النقاد لكتاباتك غيري؟
ضحكت طويلا وقلت بلا تردد: هم الأشخاص الذين لم يقرأوها!
عاصرت وجيلي «كتابا منتمين»، بمعنى أنهم واضحو الهوية يحملون «فكرا» لجماعة أو لحزب وتتعدد هنا «الولاءات» كل يريد أن يثبت ولاءه، مثلما رأينا إن كنت في مجتمع شيوعي يجب أن تكون شيوعيا!
وفي المجتمع الرأسمالي يجب أن تكون رأسماليا وبين تحول هذا وتحول ذاك تكمن الرشوة!
ثمن الكلمة والكتابة في هذا العصر الذي طغت فيه الرشوة والاستقطاب صار «الكاتب رخيصا» وبعضهم للأسف رأينا مظاهر (تغيره) من.. إلى!
بمعنى كان «حافيا» وصار من أصحاب النوط!
اشلون صار.. هذه قصص لا يعلمها إلا الله ما دام هناك من يدفع وهناك من يقبض!
في حياتي رأيت ردح (غرف الفنادق) والأسفار ولم يغرني لا (الدولار) ولا مصاحبته أبدا!
لقد كنت محظوظا بوالدي الذي علمني أن الإنسان الحر لا يباع ولا يشترى، وزاد الله لي في فضله بمصاحبة أناس قابلتهم في حياتي علموني أن أكون «نظيف اليد» وان القلم أقوى من السيف بشرط أن يمسكه رجل!
وهنا يتساوى الرجل والمرأة وأعرف كثيرا من الأخوات اللاتي رفضن بيع مدادهن مقابل «حفنة مال»!
أتمنى من كل هؤلاء الذين يمسكون أقلامهم ويكتبون وهم في أول الطريق أن يعوا أن الكلمة مسؤولية نتحملها وأمانة نؤديها!
الكلمة «ميثاق شرف» يمثل شخصياتنا وقد قالوا لنا قديما: لكل مقام مقال!
الكلمة الصادقة نشرت خيرا والكلمة «المشتراة» ذهبت أدراج الرياح!
الكلمة الصادقة تعلمناها من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الوصول الى الناس ببلاغته وفصاحته.
من خلال تجربتي وجدت أن الكلمة الصادقة الخارجة من القلب تصل وتعادل في قوتها أي قوة أخرى محلها القلب والعقل!
٭ ومضة: حتى تكون كاتبا جيدا عليك أن تقرأ ولا تتوقف عن القراءة لأن الكتاب «خير صديق» لك في هذا الزمن، وهنا يقتضي أن تقرأ كتابا يدعم «ثقافتك التراكمية» وإياك و«الكتاب الخائن» الذي يجرك الى عالمه من رشوة وإيحاء وميل واستقطاب ليحقق بك مآربه!
اعلم عزيزي القارئ أن «الناس» كانوا في أزمنة يحرقون الكتب لتأثيرها، واليوم كثير من «الكتب الموجهة» تحرق الناس للأسف!
تذكر وأنت تحاول أن تنمي كلماتك وسطورك أن الكتاب يحمل «عقلا» لصاحبه فإما أن يثريك أو يزريك!
٭ آخر الكلام: يقال إن الكاتب الروائي ستيف كينغ رمى روايته الأولى في القمامة، فإذا بزوجته التي تؤمن به تأخذها من القمامة وترسلها الى «دار نشر» ثم قامت الدار بنشرها لاحقا لتتخطى مبيعات الكاتب وكتبه 350 مليون نسخة حول العالم!
لهذا احرص على أن ترتبط بشخص مخلص يؤمن بقدراتك لدرجة أنه لا يمانع أبدا أن يفتش وراءك في القمامة إذا أصابك يأس!
٭ زبدة الحچي: تعلمت أن الكتابة كمثل كأس ماء مالحة، كلما شربت منها تأففت أو لفظتها ومع هذا ترجع لها لأنك عطشان!
يقول الإمام الشافعي:
العلم صيدٌ والكتابـة قيده
قيد صيودك بالحبال الواثقة
فمن الحماقة أن تصيد غزالة
وتفوتها بين الخلائق طالقة
آه.. تحتاج الى عمر لتعيش وتحتاج الى «الأعمار» لتكتب كل ما عندك من كلام وحروف.. أتمنى أن أنتهي من كتابي القادم: أفغانستان وسنوات الجمر، وهو ما أحب أن أقابل به ربي لأنني في معايشته مارست «دور الصحافي المهني المحايد» الذي يهمه نشر الخبر والصورة الصحيحة، والله يعلم كم من الصعوبات قابلت!
من الآخر، أيها القارئ المحب للكلمة الصادقة: الكتابة عشق لا شفاء منه لكن النصيحة لك ولي: قبل أن تكتب تعلم أولا كيف تفكر!
قال الشاعر:
ولا تكتب بخطك غير شيءٍ
يسرك في القيامة أن تراه
الكتابة علمتني أن أستغل «لحظة الزمن وروح المكان» قبل أن ينقضي الحدث!
شكرا.. من أعماقي لكل من له فضل عليَّ، وخذوها عني «الكتابة ترفض أن تكون وحيدا.. لا بد ممن يعزز قيمك ومبادئك ويدعم الاستقامة.. لأن الانحراف سهل في وجود شياطين الأنس! والمال والأساليب تغري إلا من هم قوامون لصلاة الفجر!
اللهم يا رب اجعلنا وكل من نحب (نظفاء) النفس واليد والسريرة!
شكرا أمير الشعراء أحمد شوقي:
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه
فقومِ النفس بالأخلاق تستقيمِ
وصدق من قال: إن الصيت الحسن أفضل من الغنى!
نحن لسنا محتاجين الى كثير من الكتّاب ولكننا محتاجون الى كثير من الأنقياء!
الخلاصة .. ثمن الكتابة مال أو موقف!