[email protected]
ضمة «الأم» لابنها ولا أروع ولا أسمى ولا أحلى ولا.. ولا.. ولا!
لكن ضمة المعلم «الأب» غير!
سأحكي لكم قصة يقال إنها قصة حقيقية حصلت في بلد خليجي وهي لأب كبير في العمر، كان يعمل «معلما»، لكن كيف؟
أقول لكم إنه معلم من جيل الطيبين في الزمن الجميل!
اسمه الأستاذ سعيد بن جمعان وبعد أن تقدم به العمر وتوفيت زوجته - رحمها الله - صار يسكن مع أولاده كي يخدموه في هرمه، وقد رزقه الله من الأبناء البارين أربعة كلهم أولاد!
وعُرف عن هذا المعلم أنه يملك هيبة وشخصية ونفاذ كلمة لدى الجميع حتى لدى المدرسين والناظر والطلاب وأولياء الأمور!
كان معلما يؤمن بأن «الضرب» التربوي يهذِّب.. وأنا شخصيا أتفق معه، وكنت أُمارس هذا الدور في بداية عملي بالتعليم والتدريس، وكانت لدي عصاة اسمها (العزيزة) وهي عصاة لها «تيب» أصفر لأنني كنت أشجع نادي القادسية.. أيام وسنوات مرت وخرجت أجيال ناجحة في الحياة!
أرجع إلى الأستاذ سعيد بن جمعان، كانت له أيضا عصاة اسمها (وسمة) وعندما شاخ وأدركه الكبر والشيخوخة والضعف والهوان شعر بأن أولاده يدركون هذا الشيء ويتعاملون معه على أساس هذا المنطق.
يقص القصة أحد أولاده، فيقول إن والدهم أرسل لهم رسالة يقول فيها:
العادات غالبا تسوقنا الى الخطأ.. عذرا أولادي على ما بدر مني في صغركم، كنت شديد القسوة عليكم، ليس لأنني لا أحبكم، لا والله، بل أنتم أغلى من أنفاسي التي تشق صدري، ولكن العرف والعادات كانت تقول إن الأب القاسي هو الوحيد الذي يربي أولاده، أما الحنون فهو أب فاشل يسوق أبناءه إلى الفشل!
فنهجت نهج القوة متوقعا أن ذلك أنفع لكم وأفضل!
ولم يكن العلم يؤثر في العادات كثيرا، وكنا نرضي ونراقب المجتمع أكثر من أي شيء آخر وكأن رضاهم سيدخلنا الجنة.
محمد، إبراهيم، خميس وياسر.. لا تستلون جنابيكم (يقصد الخناجر الحادة)، لتغرسوها في صدري كل يوم.
عندما أراكم تقبلون أبناءكم وتترفقون بهم، فوالله إن قلبي يتقطع من الوجع وودي أصيح وأقول لكم وأنا أيضا كنت أحبكم ولا أزال.
فلماذا عندما يقبل أحدكم ولده ينظر إليَّ نظرة كالخنجر المسلول ليطعن بها قلبي، وكأنكم تقولون تعلم الحب والحنان؟! وافهم كيف ينبغي أن يتعامل الآباء مع الأبناء.
أولادي، هذا ليس زمننا وما يرجع شيء فات أوانه فلا تعلّموا شيخا ما لم يعد ينفعه.. وأنا دخيلكم أطلبكم (العذر والسموحة).. وإلا فأنا قدامكم الحين! وهذه عصاتي! وهذا خنجري! فاقتصوا مني الآن! ولا تعذبوني بنظراتكم تلك!
يخبر بالقصة أصغر أولاده (ياسر) وهو الآن أب لثلاثة (ولدان وبنت)، فيقول ياسر: كلنا تأثرنا برسالته وذهبنا نُقبِّل رأسه ويديه وقدميه وأجمعنا كلنا على أنه لولا الله ثم تربيته لنا لما كنا رجالا ناجحين! يا أبي الحبيب!
ثم يقول ياسر: عندما ذهبت الى السرير لأنام ظلت كلمات والدي ترن في أذني وتؤلمني في قلبي «وماكني أتقلب إلا فوق مله!» وحينها أجهشت باكيا وبكيت بكاء مرا، فكتبت لأبي قائلا:
أبي الحبيب.. قد تكون أدركت جزءا من نظراتنا لك حين نحتضن أولادنا وهذا دليل فطنتك، ولكن لا يعلم الغيب إلا الله.. فوالله إني أنظر إليك وأقول ماذا لو قبلني أبي الآن؟!
فأنا وإن كنت كبرت وأصبحت أباً وخالط الشيب سواد شعري فهذا لا يعني أنني لا أحتاج الى حضنك الدافئ وقبلاتك الحارة.
فهل لي بحضن واحد وقبلة؟!
وأرسلها إلى جوال أبيه ونام!
وعند الفجر، خرج ياسر من غرفته لأجل أن يصلي، فوجد أباه واقفاً على عكازه عند الباب ويقول:
تعال يا بوي أضمك الى صدري
ما حسبت الضرب بـ يشب جمري
إن كان اني أصبت فلله دري
وإن كان اني غلطت فلك عذري
ما تدري عن غلاك لكن أنا أدري
أنت الروح والكبيد وحزام ظهري
تعال ياسر أضمك وخذني لقبري
وضمه الى صدره وقبّله وبكي الاثنان، وخرجت زوجة ياسر وبكت بكاء شديدا لأجل المنظر المؤثر.
وما هي إلا دقائق وشهق الأب شهقة طويلة وطاح وتوفي، فحاولا إسعافه ولكن وافاه الأجل المحتوم، ورحل هذا المعلم العظيم تاركاً لنا العبرة والمغزى من هذه القصة المؤثرة.
ومضة: ترفقوا بالأبناء أيها الآباء فقد يكون عندهم ما يودون أن يقولوه لكم ولكنهم (محرجون) لا يستطيعون البوح به!
قطاع المعلمين يحتاج إلى (نفضة) تعيد الى المعلم هيبته!
وشكرا من صميم قلوبنا لكل معلم يمارس دور الأبوة مع طلبته.. وهؤلاء المعلمون قلة!
آخر الكلام: أيها الأبناء الكرام في كل مكان هذه قصة «أب»، فانسوا أي ماضٍ قبيح وانتبهوا لمن ربوكم لحماية مصالحكم حتى صرتم اليوم رجالا وآباء وأمهات!
زبدة الحچي: ضمة «الأب المعلم» غير، وجيل المعلمين القدامى بلا شك «قدوة» لنا، فمتى نفيق من سباتنا ونعلم أن تطوير وإصلاح التعليم يبدآن من الإنسان؟! بمعنى أدق من «المعلم».
وأنا أقرأ قصة هذا (الأب المعلم) الذي أعطانا درسا بليغا عن «الجيل الجميل» الذي علّمنا «الأبوة ورسالة مهنة التعليم» أترحم عليه وعلى أمثاله.. فمن يلتفت إلى ما نكتبه عن التعليم، وأهمية المعلم؟
السؤال لوزارة التربية.. ولجمعية المعلمين.. أما آن الأوان أن نبدأ؟!