[email protected]
صباح فجر الجمعة وعقب الصلاة وقع بين يدي كتيب كتبه أستاذنا الشيخ د.فلاح بن إسماعيل مندكار- الأستاذ المدرس في كلية الشريعة بجامعة الكويت وعنوانه جميل: «همسة في أذن عاق»!
شدني العنوان وتناولت الكتيب الواقع في 74 صفحة من الحجم المتوسط وقد كتب بأسلوب السهل الممتنع الجاذب للقارئ، حيث لفت نظري الإهداء، فالكاتب «خص» الإهداء بالدكتور محمد سليمان علي وزوجته الدكتورة خورشيد علي لأنهما غمراه أثناء التطبب لمدة نصف عام بالمملكة المتحدة بعظيم رعايتهما واهتمامهما وكرمهما، ولعل في هذا «وفاء» مفقودا اليوم يحاول «شيخنا» أن يعززه على صعيد الواقع فله الشكر، خاصة أن كتابه يتناول «العقوق» وضرورة البر لمن هم حولنا!
أعود للكتيب الذي قرأته لمدة تزيد على الساعتين ووجدت أن شيخنا الدكتور فلاح مندكار قد تأثر بشكل واضح في بريطانيا بالدكتور محمد وزوجته د.خورشيد ووصلت العلاقة بينهما الى الاستغراب والتعجب من هذا «الجيل الحالي» الذي لا يولي «عيادة المريض» أي أهمية وان طالت المدة!
وسرني من الشيخ فلاح ما ذكره عن سيرة الدكتور الجراح محمد سليمان علي - الذي هاجر من بلاده واستوطن بريطانيا وتزوج وبرز بين أقرانه في المجالات العلمية والطبية حتى صار أشهر الجراحين!
ويواصل شيخنا «أبو محمد» الحديث عن هذه الأسرة بتعريفنا بزواج الابن الوحيد ان يتزوج من زميلته بكلية الطب في بريطانيا - جامعة كامبريدج، فقد منّ الله على الدكتور محمد سليمان علي وزوجته رشيدة علي بأحفاد وذرية صالحة وشاهد «دكتورنا» صاحب الهمسة هذا التواصل الاجتماعي!
ويواصل شيخنا فلاح القصة المشوقة كيف أن الابن وزوجته قررا أن ينتقلا بالأحفاد الثلاثة الى سكن بالقرب من المسجد والمركز الإسلامي وترك «القصر» الذي يسكناه مع الأبوين اللذين تعلقت روحهما بالأحفاد، وكانت حجة ولدهما «الوحيد» انه استفتى شيخا في بريطانيا في كل ما عزم عليه.
ومنذ ذلك اليوم، والوالدان الكبيران في «حال لا يحسدان عليه»!
الجدة المسكينة رغم انها دكتورة وناجحة لكنها «تقاعدت» من أجل أحفادها للتفرغ لهم وتربيتهم وقد «تعبت» طوال السنوات الماضية بالسهر وبذل الجهد وأعطتهم كل اهتمامها!
أتدرون ما حجة «ولدها»؟
قال إن ذلك حرصا على تربية الأولاد - بزعمه - وحث زوجته له قدما في هذا الأمر «أرى أن تكون الزيارة لمنزل الأجداد ساعتين أو ثلاث ساعات كل أسبوعين؟!» ورغم تعلق الجد والجدة بأحفادهما وتعلق الأحفاد بهما إلا انه كان ينتزع أولاده من عناق الأجداد عند المغادرة؟
ويواصل الدكتور فلاح الحديث عن الموضوع أن أعجب تبريرات الابن وزوجته ان من أسباب تقليل زيارة الأحفاد عن الجدة والجد في أيام العطل واليوم المخصص هو ان «قوة اتصال الأحفاد» أقوى بالأجداد وان هذا يؤثر على تربيتهم و«مصلحة الأحفاد» تقتضي إبعادهما للمصلحة العامة!!
هكذا يعرف شيخنا د.فلاح مندكار قصته العجيبة وكيف انقلبت حياة «الجد والجدة» جحيما على أحفادهما!
أي عقوق هذا؟ «ألم» تعلم هذه «الدكتورة» ان هذا «عقوق وجحود» وستنال منه في قادمات الأيام لأن الجزاء من جنس العمل!
تدخل الدكتور فلاح مندكار بما لديه من خبرة شرعية وحياتية بالاقدام ينصح الابن العاق وزوجته خاصة بعد ان رأى تعلق الجدين بالأحفاد من خلال «تزاور» قام به وأطفاله وعياله لزيارتهم ثم قيام الجد وأحفاده برد الزيارة وصار تقارب الأطفال الصغار وهذه تصير مثل هذه الصلات والتواصل!
اتصل دكتورنا فلاح بالابن تاركا له اختيار المكان ومن يريد ان يحضر معه وكان الجدان يخافان من ردة فعل الابن لانه لا يريد أحدا كائنا من كان ان يتحدث معه في هذا الأمر، لكن دكتورنا بما له من خبرة طمأنهما وانه حريص على الا «يكبر» الشق.
وكان الرفض جوابا، لكن الشيخ أبدى استعداده للسفر مع والديه وشرح له أن الأمر لا يتعدى الفتوى ومعلوم جواب الفتوى يناسب حال عرضها وشرحها وملابساتها من قبل المستفتي ثم يزيد الأمر تأويل المستفتي ليجعل من الفتوى ما يناسب حاله ويبرر قناعاته!
الشاهد ان الدكتور فلاح كتب وشاهد إصراره وعناده ورجوعه في ذلك كله الى الزوجة والاسترشاد بما فهمته من نصائح الشيخ ثم قرأتها مع الابوين مع الشرح والترجمة قدر الاستطاعة والاستعانة بمن حضر من أولادي وأهلي فرأيت مدى سرورهما وتفاؤلهما ثم عبرا عن عظيم شكرهما وانهما يرضيهما اقل من هذا، ثم اقترح علي الدكتور «والده» لو جعلت الرسالة موضوعها ومضمونها على شكل محاضرة في المسجد والمركز لتعم الفائدة لانه كما بيّن أن الأمر لا يخص عائلته وابنهما بل يعم كثيرا من الناس في كل أصقاع الأرض وليس أوروبا، فهناك «تزايد» من محاولات عزل الأجداد عن الأحفاد ولا يقوم بهذا إلا عاق وسيرى في حياته ما عمل لقطع الرحم!
المهم في خلاصة هذه القصة أن استاذنا د.فلاح مندكار «ارسل هذا الكتيب» الى «الابن» وطال انتظاره حتى أجاب بأنه قرأ الرسالة مع زوجته وليس كلها وانما استعرضا اكثرها - كما ذكر - والشاهد انها لم تغير شيئا من موقفهما لانه مبني على الأصلح للاولاد - بزعمهما - وكما يظنان!
وان كثرة مخالطة الأولاد للجدين ستجعلهم يعتمدون على العاطفة والاتكالية واللعب واللهو اكثر من الجد والاجتهاد!
واخيرا وكما اراد الدكتور تم عرض اصل الرسالة وموضوعها في دروس مترجمة بالمسجد ولأيام متواصلة وحضور مكثف ونقل عبر الأجهزة والقنوات ومتابعة من البيوت وبحضور «الجدين المنكوبين» مع الترجمة والتفصيل فظهر هذا سريعا في كثير من الشباب والآباء والامهات.
لقد حقق الجدان «صرخة اعاقة» من خلال جهودهما لكن بقي هناك «جرح غائر دفين» لا يعلمه الا الله في نفوسهما وهما كيف بذلا كل خير ليجازيا بكل شر وقطيعة وعقوق من ابن ضعيف وزوجة لعينة حاقدة لا تخاف الله!
ومضة: شكرا كبيرة لك د.فلاح بن اسماعيل مندكار على هذا الكتيب الصغير الكبير في معناه واتمنى من الاوقاف ان تطبعه وتعطيه هدية لكل زوجين جديدين!
أحسنت صنعا دكتورنا الكريم على هذه الرسالة الشاهدة على ضرورة «بر الوالدين» وصلة الأرحام وقصتك عجيبة ونوعية، لكنها تتكرر، فكم من «زوجة ابن» حرمت الجدين من أحفادهما؟
العملية ليست بالشهادة والمرتبة الوظيفية وانما العلو الحقيقي والسمو الانساني عندما تكون انسانا موحدا يخاف عقاب الله خاصة في نكران الجميل وعدم الاعتراف بالفضل؟!
آخر الكلام: رسالتك دكتور فلاح «مفتاح» للخير والتواصل والبر والاحسان بين الآباء والأبناء و«مغلاق» للشر والفساد والقطيعة والعقوق واللعانة والاحقاد والفُجر في العلاقات الانسانية وهدمها!
زبدة الحچي: هناك في الحياة «صلات» اكبر من الكلمات لكن علاقة الأجداد بالأحفاد هذه «علاقة خاصة جدا» من يتلاعب بها فإثمه على الله والجزاء من جنس العمل، وفقنا الله جميعا - آباء وأمهات وأجدادا وجدات - لما يحب ويرضى وبارك الله لكم في اولادكم وأحفادكم ولنكن جميعا مفاتيح للخير مغاليق للشر، مُصلحي ذات البين، نافعين وناصحين للخلق والعباد، بارين بوالدينا وابنائنا وأحفادنا عزوة لأهلينا وهادين مهتدين، داعين الى الله ما حيينا.
أيها الأبناء في كل مكان ليس هناك حضن أدفأ واحسن من حضن الأجداد ابدا وديننا دين «حقوق وواجبات».
أيها المغردون في التواصل الاجتماعي، أمعنوا النظر في هذه القصة والهمسة المندكارية!
اللهم أيقظ القلب وألق السمع وكن شهيدا وشاهدا لوعظ عباد الله!