[email protected]
الرجال صنعتهم أمهاتهم!
توارت في ظلمة النهار بالسكتة القلبية!
ابنة الـ 94 عاما التي ولدت في العام 1925 في فريج سعود بجبلة!
كان آخر ما رأته العناية المركزة في مستشفى مبارك!
والله سبحانه وتعالى يعين ويصبر حفيدتها سارة التي رافقتها في كل مراحل مرضها وكانت تتولى أمرها.
رحلت «صبيحة» أجمل ابتسامة ونفس متصالحة مع النفس!
لم تشك المرض ولم تتذمر في حياتها من مشكلة وكانت لازمتها الكلامية «الله رحيم»!
ذهبت من علمتني التواضع وخدمة الناس، وكانت تقول لي دائما اسميتك على والدي فلا تخيب رجاي فيك!
رأت أحفادها وأعطتهم من حبها وبرّها وسؤالها ورحلت!
هي أُمي وحبيبتي وصديقتي وطبيبتي ومستشارتي ودوائي!
آه.. يا صبيحة حياتي كم أحبك وافتقدك الآن وأتجرع مرارة فقدك وغيابك!
رحلت من كانت تتشرق (أي تفتخر) بذكرياتها في فريج سعود.. مخابيط الفشق!
راحت ام اربع محطات: جبلة ـ حولي والنقرة ـ القادسية ـ صباح السالم!
كانت أمها جدتي (فاطمة احمد عبداللطيف النهام) مرجعها في الحياة.
يا الله.. كم كانت بارّة بها، معتزة، داعية حتى وفاتها!
كانت خالتي شريفة، الله يرحمها، وابنتاها عواطف صقر الصقران ونسيمة فهد بن حسين وخالي عبدالله، رحمه الله، وابنته تهاني من تدعو لهم دائما في اسرتها لأنهم لازموها طيلة حياتها.
جدي والدها يوسف محمد صرام، كد الغوص والسفر، أي مهنة بحرية في الغوص على اللؤلؤ والسفر للتجارة، وبعد أن «استچف» أي صار أعمى من قوة بأسه يدخل يصيد السمك في «جالبوته»، وهو أعمى «صاحب بصيرة»، وتحملت امي كونها الابنة الكبرى خدمة خالتي شريفة وخالي عبدالله رحمهم الله، الأصغر منها سنا، كانت «جبلة» هي المحطة التي لم تمح من ذاكرتها حتى وهي في آخر أيامها تتذكر كل تفاصيل الحياة فيها، خاصة جيرانها التي تربت معهم وهم العمة مريم وفاطمة العيدان أم علي الثنيان وأم محمد العريفان وأمينة التورة أم مشاري وبيت العبدالجليل وأم سعود مياسه وانكي أشكناني والقصار والمضاحكة وآخرون لا تسعفني الذاكرة لتذكرهم.
أقول أُمي فيصغي الكون في شغف
وكل ساطعة في الأفق تبتسم
أقول أُمي فتنهلُّ الغيوم شذا
وكل برعمة فوق الغصون فم
اقول أُمي فتزهو كل وارفة
ويمرع الصخر مما تسكب الديم
هذه المرة سأرثي «حشاشة يوفي» والدتي «أم يوسف» رحمها الله، فيارب تسعفني كلماتي وسطوري.. فقد الأم «يثول» الواحد من حجم المصاب الجلل!
كبد رطبة
في بيتنا بالقادسية منذ كنت صغيرا وحتى كبرت وانا أراها تجلس صباحا تحت سدرتنا «تفت» بقايا «براطم الخبز»!
كنت أسألها: شتسوين ماما؟ تضحك وتقول: بريق الطيور!
أي بفطر العصافير!
وبالفعل ما ان تنتهي حتى ينزل عندها الزرازير والبلابل والحمام والفاختة واحيانا طيور الربيع مثل الذبابية والمرادم!
بالفعل هي كانت مولعة بوضع أدوات الإطعام مثل قص الماء الفخاري واحيانا تحط لهم شعير!
كنت أشاهدها تلحف «قطو» بردان بفوطة!
أو تضع «خياش» (كيس الرز ـ العيش) حق دجاجة وفروخها!
او جادر على تيس أو صخلة من غنمنا!
كانت، رحمها الله، عندها حنان ورحمة على الحيوانات لا ترضى أن يؤذي احدنا النمل واحيانا تأمرني بان اذهب لفلان من عيال الفريج الكبار وقوله أم يوسف تقول لك حرام اللي تسويه بالكلب «هده»، اي اطلقه، لا تعذبه، وبعضهم كان يستجيب لأنه يعرف انها ستلبس عباءتها وتأتي له لتنقذ الحيوان من قبضته!
على العموم، كان ربعي بمنطقة القادسية على علاقة طيبة وتدعو لهم وهم: غانم المطر ـ عبدالله سنان ـ د.هشام النصف (رحمه الله) ـ داود الداود ـ عادل بوقريص ـ وعيال العنزي عبداللطيف وفيصل وعلي وعادل - يوسف الغديري ـ عبدالصمد أشكناني ـ عبدالعزيز القبندي ـ محمد الحداري ـ احمد الحوطي ـ احمد عايش - عيال العم احمد المصليخ (بوحبيب)، وكانت تخص صديق عمري المتوفى محمد الفزيع ـ بو احمد ـ بالدعاء لأنه توفي مع اثنين من عياله وتسألني عن نجله احمد دائما وايضا لا تنسى من دعائها سعيد ـ عويد ـ ناصر أنجال العم مرزوق العيد وكانت تسألني عن العم يوسف الضاعن ابونواف رحمه الله وعياله.
صامدة!
إبان الاحتلال العراقي، أصرت الوالدة على البقاء في الكويت، وكانت تصمد الذين حواليها وتحثهم على دعم صمود البقاء في الكويت، ورغم المداهمات التي «روعتها» الا انها صبرت وكانت تتفقد جيرانها في صباح السالم، ورغم تعرضها لأكثر من موقف في الحواجز الا انها كانت صابرة وبيقين ثابت وتقول: الله رحيم يرجع لنا كويتنا، ولم تخرج الا عندما طلبتها بعد التحرير لتزور منطقة العين، وعندما زارت تركت «اثرا» كبيرا عند من «زاروها وزارتهم»!
شقردية!
كانت والدتي، رحمها الله، على الدوام «صاحبة» همة وهي تقوم بكل أعمال البيت حتى احضر لنا والدي رحمه الله، اول خادمة «لاكشمي الهندية» في اوائل السبعينيات.
كانت أمي تعشق البرد واذا خرجنا سنويا للتخييم هي من يتحمل الطبخ والتنظيف ومتعتها «شاي الدوة» مع الكستنه!
من أصحابي الذين يعرفون طبخها ويأكلون من يدها اللقيمات والمجابيس والمموش والمربين و.. و.. و..، لها «نفس» عجيب في الطبخ وهي صاحبة احسن اجار كويتي تأكله فقط «ثوم يبل وطماط وبيديان»!
في سنواتها الأخيرة تذكر طلعات البر وتقول لي سلم على ربعك ملوت البر محمد نعمان وحسن الصايغ وطالب عيدان، وكانت تعز وتقدر الأنسباء علي الصقران ـ بوقتيبة ـ وحمد السعيد ـ بوسعد ـ رفيقي البر الدائمين.
حولي والنقرة!
سكنا حولي والنقرة في الستينيات قبل ما ننتقل الى بيتنا بالقادسية، وكانت امي، رحمها الله، حريصة عليّ وادخلتني روضة «جول جمال»، وتسمية المدرسة على مناضل سوري حاول تفجير بارجة فرنسية! ثم تغير اسمها الى بغداد.
كان بيتنا مؤجرا من العم علي العون، رحمه الله، وكنت انا دائما عند من ربتني الوالدة امينة عبدالوهاب التورة (ام مشاري) رحمها الله، وكنت نادرا ما أنام عند والدتي صبيحة بل أنام عند أمي أمينة التورة ومن أعز صديقاتها والدة الشيخ عجيل النشمي وكن تجمعهن الجيرة!
وكثيرا ما كن يتهادين الطعام بينهن (نقصة)!
إحدى المرات «ضعت» بعد ان مشيت من مدرسة ابن زيدون بروح البيت وقابلتني امرأة كبيرة بالسن من عائلة الغريب وعرفتني ووصلتني البيت باكيا!
ومرة غرقت في «بحر فريج سعود» وطلعتني وحدة من عائلة المضاحكة جزاها الله خيرا (من صغري حوسة)!
مازلت حتى اليوم أحفظ وصايا أُمي وأترحم على ذاك الزمن الجميل!
شديدة الارتباط بخالها!
منذ وعيت على الدنيا وانا أرى أمي شديدة الارتباط بخالها (فارس احمد عبداللطيف النهام) ابو احمد رحمه الله، وكان يأتي من الدعية «ماشيا» على الاقدام لمنزلنا بالقادسية، خاصة الضحى، وكان احيانا يأتي العم سعود عبدالعزيز صرام ابو عبدالعزيز وكان مشرفا على بناء مدرسة القادسية ليصلي اربع ركعات الضحى وهي صلاة الاوابين لأنه مداوم عليها، رحم الله الاثنين، وايضا عمي محمد صرام ـ بوجاسم ـ والذي واصلني قبيل وفاته في العام 1996 يسأل عنها رحمة الله عليه.
وكانت تعز أم مشاري ـ خولة الدمخي ـ زوجة احمد فارس النهام كثيرا محبة بخالها ونجله احمد رحمهما الله.
جيران زمان!
فرجان قبل أهل مو الحين ما يدري الجار عن جاره!
كان بيت سالم الحربي ـ بوراشد ـ لصيقا ببيتنا وكانت امي شديدة الصلة بأم راشد العمة عبطة (ام راشد) وبناتها شريفة ومنيرة ومازلنا على اتصال بهم خاصة حفيدتها حصة بدر البسام وحفيدها غانم عبدالرحمن الشاهين الغانم.
وكانت أم هشام العمة مريم الحديد (رحمها الله) من الجيران وكذلك ام راشد سنان وام ابراهيم الصقعبي وام جاسم القبندي وزوجة العم مرزوق العيد وبناته وام فاضل وام محمود اشكناني وام عايش الحمد والشمالي «الايتام» وام عبدالرضا اتش والشريم والمطر والدهام والعمار والمصيليخ والعطية والحسينان أم سمير شهاب، رحم الله الاموات والله يطول في اعمار الاحياء، كانوا جيرانا طيبين يجتمعون عند الوالدة، الله يرحمها، كانت نشطة اجتماعيا حركية، الناس تحب «مجلسها» ولسانها «الذاكر الرطب»، وانا انتهز هذه الفرصة لأشكر جيراني الحاليين الذين اكرموني اكراما يصعب ان يوصف!
حجتها مع حملة الفهد
حجت الوالدة مع الوالد عام 1964 مع حملة عبدالله الفهد، وأتذكر اننا ذهبنا الى استقبالهم وانتظرناهم في منطقة «جريه» ووصلوا «باصات» بعرام الوانهم صفر وبرتقالين وبيض ومعهم «مك» يحمل «چينكو وجندل» (الچينكو مثل الصفائح المعدنية)، وعندما سألت والدي رحمة الله عليه قال: يبه «الچينكو والجندل والخشب» حق «التغريزة» والچينكو مثل الكيربي!
ومازلت أتذكر «لمة» امي بعد حجتها لليوم «طولت وكأنها مو مصدقة»، يا مال جنة النعيم!
وكانت الصوغة (أي الهدية) «عكاسة» فيها صور بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة وكانت اجمل هدية مع «علبة حديد فيها ماي زمزم مر»!
وحجت مرة اخرى مع اخي بدر بوناصر، الله يطول بعمره واختي منى ام سعود مع الفارق عن الحجة الاولى التي كانت تسولف عنها لسنوات طويلة يوم كان الحج مشقة وتعبا وغير متيسر مثل الآن حملات سبع نجوم!
الجدير بالذكر انه يوجد في الكويت اكثر من اسرة باسم الفهد لكن اصحاب الحملة هم من سكان كيفان وفي القديم سكنوا المرقاب، عائلة كريمة طيبة خدمت اهل الكويت، وحملتهم من اشهر الحملات وكثير من اخيار الكويت رحمهم الله راحوا معهم الحج والعمرة في الستينيات.
الانضمام لمحو الأمية!
بعد ان سكنا القادسية انتسبت الوالدة الى مدارس محو الامية، فدخلت مركزا في قطعة 4 ومعها صديقاتها ام احمد الحوطي وام غانم الصالح وكانت العمة حصة بورسلي ـ أم بدر ـ الروضة من صديقاتها المقربات اللاتي يتصلن بها يوميا، رحمهن الله جميعا.
كانت عبر سنوات تروح العصر وترجع المغرب، ويوم ان تغيب عن المدرسة «أعرف» من والدي رحمه الله قوله: المفتشة اليوم زايرة المدرسة وامك ياتها النفاضة! أي الرجفة!
كانت والدتي رغم «أُميّتها» حكيمة وعاقلة ودائما «تركد» الحريم ودائما تأخذ الامور بالهون ولا تحب العداوات وليس لها لسان طويل وتمتاز بسعة الصدر والرضا والتسامح، وقنوعة وما تحب الغمز واللمز بالمجالس وتكره النچره والحنّة، ومثل ما يقولون: حطني تلقاني.. دون اي صوت او تذمر (صبورة) لحد يعجز الوصف من وصف أخلاقها وطيبتها!
الله كريم
المفردة التي لازمتها منذ وعيت على الدنيا قولها الدائم: الله كريم، واحيانا تضيف لها مفردة رؤوف!
اي موقف او اي حديث لازم تتبعه بالقول: الله رحيم!
كنا نضحك اذا قالت هذه المفردة العجيبة!
كانت تعتقد يقينا صادقا بأن الله رحيم كريم بعباده حتى ماتت، رحمها الله!
يا جنة الله في الدنيا وواحته
يا بلسم القلب ما مسه السقم
لولا حنانك لا ورد ولا عبق
ولا ظلال ولا ماء ولا نسم
سفراتي معها
سافرت معها الى العمرة مرات عديدة هي وخالتي شريفة وزوجة خال امهم عائشة اليعقوب ام جاسم رحمها الله، وكانوا يستانسون ان اخذهم العمرة بالسيارة وكنا ننام في الطريق وامي كانت تعد «جدرها المموش او المجبوس» و«نطيحله» في الطريق ونشرب چاي الفحم، ايام جميلة معهم الله يرحمهم.
اخذتها مرتين الى بشتني واستفادت وتحكي ذكريات حلوة عن ايام علاجها هناك، في هذه السفرة تأخرنا بالمطار في قبرص لأن السيارة التي تلصق سلم النزول صدمت الطائرة بقوة فتأخرنا 11 ساعة لتبديل السيارة، وكنت ألاحظها تحمل حقيبة يدها بس شكلها ثقيل، وعندما اخذت منها الحقيبة فتحتها وجدت فيها «خلال برحي»، فقلت ماما: ما هذا؟ فقالت: شنو هذا.. انسولين!.. طبعا هي تعاني من السكر؟
كما اخذتها الى دولة الامارات وزارت البحرين، وكانت تحب ان تكون صوغتها من البحرين حلوى وبطل لقاح ومن سلطنة عُمان الحلوى والنارچيل الاخضر والموز الصغير، وكان تلفزيونها دائما على محطة مكة تشوف الحرم يوم كانت تشوف وعندها نظرها وبعد ان «استچفت» تسمع فقط اخبار الكويت، وكانت تسألني واخواني عن بعض الاخبار والاحداث، وكانت دائمة الدعاء لدول الخليج العربية ان الله لا يفرقها عن بعض لأننا جميعا اهل وحبايب ونسب.
درس لن أنساه!
في 2006 اخذتها للعلاج الى بشتني وكنت واقفا على الجسر الذي يربط المنتجع العلاجي بمركز المدينة وكنا واقفين على الجسر ترمي «توست وخبز» للبط والاوز والبجع ولم «الحظ» متسولة مدت يدها تطلب مالا فما كان مني الا ان صددت عنها!
هنا التفتت إليّ قائلة: يوسف شفيك «صديت» اي لم تعر هذه المرأة اهتمامك هذه ليست عوائدك؟!
ألم تسمع قول الله تعالى في سورة الضحى (فأما اليتيم فلا تقهر واما السائل فلا تنهر)؟ شفيك هذا زجر للسائل!
فما كان مني الا ان اعتذرت لأمي وأكرمت السائلة وتلقيت درس عمري!
لن انسى وقفتها معي في وفاة ابني «أحمد» الله يرحمه هونت عليّ الامر بوصاياها!
نافلة!
كان من عاداتها الثابتة يوم كانت في صحتها تعمل هريس وتضربه بعصاة ونشوفها رحمها الله، «عملية متعبة» ضرب الهريس!
كانت دائما توزع نافلة على الجيران، اما هريس او جريش او لقيمات او صب القفشة، وأتذكر يوم الجمعة لازم «تريق» ملوت النظافة وكانوا في السابق مصريين «حليب ودرابيل وبخصم او باجلة ونخي»، رحمك الله يا امي!
علمتني ما لم يعلمني إياه زماني!
الوالدة والخدم
أُمي قدوتي في معاملة الخدم كانت عجيبة «توكلهم» مما تأكل و«تلبسهم» مما تلبس، وكم خادمة او سائق سفرناه بعد عمل 3 اشهر بس يقول لها سأذهب الى زيارة بلدي «مشتاق لزوجتي واولادي» يأتينا طلبه سفروه او سفروها!
يا امي هذيلة عقدهم «سنتان» لازم يعملون عندك سنتين ثم نسفرهم ونكرمهم لكنها رحمها الله لا ترضى الا ان تدفع من مالها وحلالها تذاكرهم ونطبق امرها دون تردد لأننا جميعا عرفنا طريقة تفكيرها، وكانت دائما هي وخالتي شريفة، الله يرحمهما تضعان بأنفسهما للخادم أكله ولا تأكلان حتى تطمئنا ان الخادمة او السائق اخذا نصيبهما من الاكل او اللبس، اللهم ارحم والدتي وخالتي فلقد كانتا تؤكلان الخدم والسواق قبلنا، والله يعلم انني لم ابالغ بأي كلمة في هذا الموضوع الإنساني، ولو هناك جائزة عالمية لأخذتاها بجدارة، انهما بالفعل تخافان الله في العمالة المنزلية لحد التعب لهما ولمن حولهما، رحمهما الله.
وداعاً.. حبيبة قلبي
أُماه.. ما أصعب فراقك..
أُماه.. وداعا على امل نلتقيك في الجنة..
أُماه.. أنا وبومشعل وبوناصر وبوفهد وأم سعود اصبحنا من بعدك ايتاما لطماء، فلقد كنت انت العمود والخيمة وكل شيء في حياتنا..
وكل الشكر مني واخواني لام قتيبة وأم سعد وام مهند وام ناصر وام فهد وام عبدالرحمن وانجالهن وكل الأحفاد وزوجاتهم (مهند - مشعل ـ سلطان - سعود - فاطمة).
يا رب.. اغفر وارحم واعف عن «والدتي»، اكرم نزلها وأوسع مدخلها وأغسلها بالماء والثلج والبرد ونقها من الذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
اللهم يا ربنا.. انقلها من ضيق اللحود والقبور الى سعة الدور والقصور، في سدر مخضود، وطلع منضود، وظل ممدود، مع الذين انعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
اللهم ان أمتك «صبيحة» في ذمتك، وحبل جوارك، فقها فتنة القبر، وعذاب النار، فأنت أهل الوفاء والحمد، فاغفر لها وارحمها انك انت الغفور الرحيم، ارفع درجاتها في المهديين واغفر لنا ولها يا رب العالمين.
اللهم انك قلت وقولك الحق (ادعوني استجب لكم) وانك لا تخلف الميعاد.
هاأنذا ادعوك فاستجب لنا كما وعدتنا، منا الدعاء ومنك الاجابة، والحمد لله رب العالمين.. وداعا يا أمي.. والحمد لله رب العالمين.
شكر وتقدير: لكل من تعنّى لنا في العزاء من داخل الكويت وخارجها، مشكورين حبايبنا ولا يريكم الله مكروها بعزيز، ما قصرتوا وبيض الله وجوهكم رجالا ونساء.
وأخص بالشكر العاملين في مقبرة الصليبخات رجالاً ونساء وعلى رأسهم الأخ فيصل العوضي.
والشكر لرفيق الدرب والدراسة والمسجد العزيز خالد الشميس (بووليد) والذي كان يخص الوالده بسؤاله وهداياه، وهي تخصه بالدعاء اليومي.
نسأل الله لنا ولكم الاجر والعافية.. تذكروا: الأمومة فردوس الوجود!
رثـاء
وانفض مجلس العزاء، وظل مكانها فارغا لا يملؤه أحد
وأنا أعني ما أقول لا أحد..
جدتي كانت أمية لا تقرأ ولا تكتب لكنها تفهم الحياة، تفهم في العلاقات الاجتماعية، تفهم في شجرة العائلة، تحب الواجب ولا تقبل القصور فيه، لكنها لا تقبل التعديات ولا التجاوزات، تعطي كل فرد حجمه ولا تطالبه بشيء، علمتنا إن أحسنا فقد أحسنا لأنفسنا، تفهم في الدين وبضوابط الشريعة على قدر إدراكها، تحب القرآن وتردد ما تحفظ منه دوما وتفسر لنا بعض الآيات أثناء حديثها، أثناء أيام العزاء ظل شريط الذكريات يلف وإذا هو شريط طويل لا ينتهي..
جدتي لها من العادات والأعراف ما يعبر عن بساطتها وبساطة نيتها، فقد كانت كل ليلة في أيام صحتها وعافيتها تصلي العشاء مع الأذان في الكويت وبعد الانتهاء تفتح قناة السعودية وتصلي مع الحرم ناوية بذلك أجر القيام والوتر ومهما حاولت إقناعها هي على يقين بصحة نيتها قائلة «إنك رحيم» فيا رب اكتب أجر سعيها.
جدتي وثقت بأمي أنها خير زوجة وسند لابنها البكر يوسف وأعطتها زمام الوجاهة والمسؤولية وحين كبرت أمي وكبرتنا غرست في وفي أختي واخواني ذلك فكبرنا ونحن نفهم معنى اكبر الأحفاد في العائلة، ونسأل الله أن تكون جدتي رحلت وهي راضية عنا.
جدتي التي علمتنا أن أغلى الهدايا هو مبلغ بسيط من المال ملفوف بمحرم أبيض تعطيه لمن تعزه في زواج أو انجاب أو سكن جديد لا تكلف ولا بهرجة لافتة..
جدتي في صحتها من شدة حرصها قبل أي نزهة عائلية كانت تتصل بأمي قبل الموعد بأسبوعين تتفق معها على ما تحضره من طعام وتطلب مساعدتها في الأطباق التي يحبها الشباب والبنات..
جدتي بثوبها وبساطة حياتها كانت تسمي «اليهود» «جهود» ربما من (جوده) مكان أصلها ونسبها ظنا منها أنها تتقن الفصحى وكانت دائما تردد قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع جاره اليهودي بأبسط الكلمات والمفردات لأخذ العبرة..
جدتي اذا رأت الأخبار كانت تقول لنا «أمي الله يرحمها كانت تقولي بيجي عليكم وقت تشوفون موتى الحروب في الشارع محد يغسلهم ويكفنهم»، وقد صدقت هي وصدقت أمها جدتنا فاطمه النهام..
جدتي حين رحل أحمد، رحمه الله، وجمعنا به في مستقر رحمته قالت «أنا رأيت في منامي طيرا أبيض جميلا يحلق في السماء حاولت أن أمسك به ولم أستطع صعد للسماء عاليا»، بكت وقالت هذه روحه أنا شعرت بوفاته قبل أن يأتيني الخبر، وظلت طوال الأربع سنوات اذا أقبل عليها أبي أو أمي قالت اللهم ارحم أحمد وأجبر قلب أمه وأبيه واخوانه، جدتي حين رحل الغالي قالت هو في الجنة لم يقبل علي يوما إلا وقد كان في المقبرة أو في عيادة مريض أو يلبي لدعوة أحد يعرف واجبه تجاه ربه فأخذه الله إليه لأنه يحبه..
جدتي ذات الـ ٩٤ عاما التي أحبت أبي وأعمامي وربت أبناء بارين بها إلى آخر لحظة في حياتها غمرتهم بحبها وحنانها وحرصت على سعادتهم، اللهم بشرها بروح وريحان ورب راض غير غضبان..
كان وجودها بركة، وجلوسها حكمة، وذكرها رحمة وصلاتها صلاح لها ولذريتها..
ذهبت وأخذت كل ذلك معها، ولكنني بيقين أحسبه يقينا صادقا بالله عز وجل أن جدتي رحلت لتترك أثرا عميقا ومتجذرا في عائلتي الكريمة وهذا ما رأيته في أحفادها ما شاء الله البنات والاولاد كلهم قمة في الادب بارك الله فيهم، يا رب اجمعها بأهلها وبمن فقدت في جنة الخلد.
جدتي سلام ورحمة ونور على روحك الطاهرة ونعم عقبى الدار..
حفيدتك/ نورة بنت يوسف
أبيات رثاء في والدتنا العزيزة صبيحة يوسف رحمها الله تعالى
تسيلُ الدمـــوعُ ولا تمنـــعُ
وخيـــر المشاعر لا يبتغــــي
هي الأمُّ نبعُ الحنان الذي
قضت أمُّ يوسفَ كرماً لها
فربت صغاراً فكانوا رجالاً
مربي الصغار له أجرهُ
وذكرٌ يطيبُ لنا سمعُه
فكانت حناناً وكانت شذى
وكانت لنا الظل نأوي له
عجبت لناسٍ خلا بيتهم
وكيف استطابوا لذيذ الكرى
وأسأل ربي لها رحمةً
لموتِ حبيبٍ به نفجـــــعُ
دليــــــلاً يؤكد أو يقنـــــعُ
يجودُ بفيضٍ به تمرعُ
أخطُّ القصيد بها أصدعُ
وبين الكرامِ لهم موضعُ
وفي كل خيرٍ له موقعُ
ونعم الصفات بها نسمعُ
وكانت ربيعـــاً به نرتعُ
متى ما خرجنا له نرجعُ
من الأم عاشوا ولم يصرعُ
وتقوى قلوب ولم تصدعُ
تعم الجميعَ بها نطمعُ
٭ أبا الحارث: جزاك الله خيرا ورحم الله موتانا وموتاكم وجعل الله والديك في الفردوس الاعلى من الجنة.