[email protected]
في زمن تساوت فيه الذكورية والأنثوية، وغدت الرجولة الحقة عقيدة وعبادة وطهرا ونقاء وعفة ومواقف وتصرفات!
يقول الله تعالى في محكم التنزيل: (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا - الأحزاب: 23).
وفي موضع آخر: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة - النور: 37).
إذن الرجولة التي أقصدها تعني التكامل في شخصية الإنسان، وصعب جدا أن تكتب عن زمن قلّ فيه الرجال بصفاتهم المنشودة. وكما قيل: «وفي مواطن الابتلاء تكتشف معادن الرجال».
المقياس من وجهة نظري أن تضع «الرجل» وأفعاله وأقواله وتصرفاته وتاريخه في ميزان «الكتاب والسنة» فإن رجح الميزان فاجعله في ديوان الرجولة والمرجلة.
عندما أنظر إلى الشباب في المولات أستطيع أن أفرز أن «هذا رجل وآخر تيش بريش» من اللباس والتصرفات، ولهذا اعتبر الإسلام «الشباب» كنزا من كنوز الدنيا إن أحسنت تربيته وتوجيهه وغرست فيه معاني الرجولة ليكونوا بعد ذلك ذخرك رجالا لا أسماء وحبرا على الورق!
إن الأديان كلها جعلت من «الرجل الصالح» عماد الرسالات وروح النهضات، لهذا فإن الحصول على رجل واحد صالح قوي أمين حكيم يساوي مائة! لهذا قالوا: «رجل بأمة.. يعادل ألفا».
في استقراء التاريخ وجدنا أن رجلا ذا همة يحيي أمة!
انظروا في قوله تعالى: (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين - النحل: 120).
إذن الرجولة التي أقصدها ليست أشكالا وصورا، بل أعمال صادقة تصدق مع الله عزّ وجلّ. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم» وفي رواية «وأعمالكم».
إذن الأخلاق هي التي تجمّل الرجل من نبل وأدب وذوق وتصرفات وحكمة وعمل، هذه هي موازين الدنيا التي تحكم وتزن أعمال الرجال!
انظروا إلى الرجل وهمته وسيرته وعمله، هذه هي القاعدة التي نقيس بها دائما، وهذه هي الرجولة الحقة التي ننشدها بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه.
يمكن السؤال الذي يراود القارئ الكريم: لماذا الرجل؟
لأن في صفات وأخلاق الرجل ما نضمن به استشراف المستقبل، لأن هناك فرقا كبيرا ما بين الرجولة والذكورة!
الرجولة لفظ لا يطلق على أي أحد.
بل يطلق على الرجل الذي يملك صفات الرجولة والفحولة.
نعم.. دون زعل، الرجولة رجل مواقفه بطولية في مواجهته للحياة، لا يقبل بالخطأ والجور والظلم، ويمارس العدل والإنصاف ويحمي مَنْ معه ومَنْ حوله!
ومضة: في الحياة وجدنا رجالا خلفت رجالا، فالمال والجاه قد يزولان ولكن ما يحفظ هذا كله «الرجل» المرجلة!
إذن الرجولة عزائم قوية وقلوب وعقول تملك الحكمة وحسن التصرف والتدبير.
في التاريخ وفي نظرة معي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم تكن القوة في بدنه وفي فروسيته وشجاعته، ولكنها في رجولته وإيمانه ونفسه الشامخة، فكان إسلام عمر رضي الله عنه حدثا كبيرا في عالم «الرجولة والمرجلة»، فبعد إسلامه تجرأ كل مسلم جاهرا بإسلامه. يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: «ما زلنا أعزةً منذ أسلم عمر» أخرجه البخاري.
هم الرجال وعيب أن يقال لمن
لم يتصف بمعاني وصفهم رجل
آخر الكلام: ما أحوجنا أن نعود إلى قراءة السيرة النبوية ونتعرف على الرجال الذين بناهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين، رجولة وأعمالا وعزا ورفعة ومجدا وشموخا.
زبدة الحجي: على كل أب أن يوجه أبناءه إلى ممارسة رجولتهم كما أسلافهم وما كان عليه الآباء والأجداد من دلائل وصفات وعلامات تدل على رجولتهم.
عزيزي القارئ الكريم أتريد قدوات حقيقية، أم تريد «أبطال» مسلسلات وتمثيليات وأفلام مزيفة؟
لقد خدعت أجيال كاملة بهذه «الأعمال غير الحقيقية» وضللنا الطريق، وكثير من الشباب ذهبوا إلى مهاوي الردى لممارستهم أدوار «بطولة ورجولة» زائفة!
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
أسداً تخلف بعدها أشبالا
ميزان الرجولة حفظ الحدود وإخلاص العمل.
وخير الصناعات صنع الرجال
فهم أُسّ نهضتها والعماد
على الدين والعلم تبنى النفوس
وبالجد صرح المعالي يُشاد
ليست الرجولة بالمادة، إنما بالأخلاق وتحمل المسؤولية والصمود أمام الملهيات واستعلاء على المغريات وصدق العهد وثبات على الطريق.
الرجولة لا ميوعة بها وسباق نحو المعالي.
وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام
الرجولة الحقة زاد الطريق ومدد الروح الإيجابية وجلاء القلوب البيضاء المنصفة و«الرجل المؤمن» هو الرجولة بأعلى معانيها وصورها. أيها القارئ: هذه معاني الرجولة، فأنت محط الآمال ومعقد الأماني ودورك آت.. الساحة أمامك وتتسع للجميع.. في أمان الله.