[email protected]
تقرير من إذاعة «B.B.C-العربية» قلّب لي كل المواجع واسترجاع الذاكرة!
في الذكرى الـ 67 من ثورة يوليو 1952 نسأل ماذا تبقّى من إرث الرئيس جمال عبدالناصر؟
لماذا لا يصدق كثير من بني قومي الخديعة الناصرية؟ وما رأي الناس اليوم في جمال عبدالناصر؟ وهل الناس محقون في حبهم أو كرههم له؟
الأكيد هو «بطل عروبي».. كاريزما رئاسية، سحر الناس بحلاوة خطابه وانتقاء كلماته، فألهب الألسن وسحر العقول والقلوب!
هو «زعيم تاريخي» مهما ألصقنا به من اتهامات!
كان يسمينا «الرجعيين» ـ كدول خليجية ـ و«أقزاماً» و«عملاء الاستعمار» ويستشهد دائما بالجزمة (أي الحذاء)!
هل فعلا هو من أجاد «شتم» بريطانيا وربما نال رضاها ودعمها في الخفاء؟
وهو من أكثر الرؤساء المصريين الذين هاجموا الولايات المتحدة ولا أعلم حقيقة موقفه منهم؟
إذن لماذا توجه إلى «السوفييت» ولم يتجه للبريطانيين؟ وهذا أُقدمه لمن يؤمنون بالمؤامرة وما الدور الخفي لأميركا في وصوله للرئاسة أو تنحيته أو التآمر عليه؟
أسئلة كثيرة بعد مرور حقب من الزمن على «المجد الناصري» هل مازال يحظى بالتأييد؟ ما الحقيقة؟ الأكيد أن الناس وعت وتغيرت وبقي من أحبه بعشق ومن يكرهه كره الموت الزؤام؟
لماذا تغيرت صورة الرئيس جمال عبدالناصر الآن وكيف تنظر إليه الأجيال التي لم تعاصره؟.. هذا هو السؤال.
ما دور وسائل الإعلام المختلفة وتحديدا ما قامت به وسائل «التواصل الاجتماعي» في كشف ما أخفاه الناصريون ومؤرخو التاريخ من معلومات وصور وأحداث وخفايا؟
مَنْ هو جمال عبدالناصر حسين خليل سلطان؟
ثورة 23 يوليو 1952 التي قام بها مجموعة من الضباط الأحرار الذين يترأسهم محمد نجيب ويحركهم جمال عبدالناصر، ثورة الضباط الأحرار أهي «حركة تصحيحية» هدفت إلى إسقاط «النظام الملكي» المدعوم من بريطانيا ولتقود مصر والأمة العربية في مسار جديد وأحداث متوالية لم تتوقف حتى يومنا هذا.. أين الحقيقة في كل ما جرى ويجري؟
وأنا صغير وعمري لا يتجاوز الـ 15 عاما دخلت غرفة «خالتي شريفة» - رحمها الله - كانت أمي ومن ربتني مع والدتي وكانت قارئة للقرآن، وكانت تعلق في غرفتها صورة كبيرة للرئيس «جمال عبدالناصر» باللون الأبيض والأسود المائل إلى الخضرة على جدار غرفتها وسألتها - رحمها الله - أُماه: مَنْ هذا؟
فقالت بثقة: يا وليدي هذا الرئيس جمال عبدالناصر محرر العرب من الاستعمار!
لم أستوعب في وقتها ماذا كانت تعني كلمة الاستعمار، المهم أنني عرفت أنه رئيس مصري فقط! ومع تطوري العمري عرفت معاني كثيرة لكلمة الاستعمار اللعينة!
وعندما كبرت ودخلت معهد المعلمين أحببت الأستاذ «سيد ورد» وهو من يدرسنا التربية الإسلامية، وفي يوم عرضت عليه موضوعا كتبته لحصة التعبير عن الرئيس جمال عبدالناصر، فنظر إليَّ وتغير وعبس وجهه، وقال: أنت كتبت هذا؟!
فقلت: نعم.. أستاذي.
فقال: أتعرفه؟!
فقلت: نعم انه الرئيس المصري المختلف على تاريخه ومواقفه، وبقي القول انه الذي حرر العرب من الاستعمار البريطاني!
فكشف لي عن جسمه وإذا به أماكن جروح عميقة وتعذيب وخياط؟
فقلت: ما هذا أستاذنا؟!.. منظر لم ولن أنساه حتى اليوم!
فقال: هذا الذي تراه من (رجال) الذي كتبت عنه.
واحترت.. أصدق مَنْ؟ دار في رأسي أكثر من سؤال: أيعقل أن يقوم إنسان بتعذيب من خالفوه الرأي؟.. وهل حدث هذا برضاه أم من خلف ظهره من زوار الفجر؟
وهكذا صحوت على حقائق مرّة، إذن لا تلوموا الناس في حبهم أو كرههم لهذا الرئيس كل يراه حسب ما في نفسه له من ذاكرة!
وكبرت وقرأت وتعلمت من كثرة «ما خُدعت» فنحن نصفق أحيانا لأشخاص نحسبهم أبطالا وتأتي الحقائق لتعريهم وتجعلنا غير متوازنين، ولكنهم في حقيقة الأمر مسؤولون عن كمّ هائل من الجرائم والآثام التي ارتكبت باسمهم وفي عصرهم وسيدنا عمر الفاروق ثاني الخلفاء الراشدين يحاسب نفسه اذا تعثرت بغلة في أراضي المسلمين!
ومضة: الله يعين مصر وشعب مصر، فهم في الأساس تعرضوا لغزاة أجانب على مر التاريخ من فرس ويونانيين ورومان وأتراك وفرنسيين وبريطانيين وإسرائيليين!.. لكن تظل آيتها (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)، ولهذا مر الغزاة الطامعون وبقيت مصر عزيزة بناسها وأقباطها وتاريخها المجيد.
طبعا ما يقرب من 70 عاما خلت ولا تزال مصر تعاني من إرث جمال عبدالناصر وتبعاته وأحيانا تتحمل مصر أكثر مما يُحتمل وهذا قدرها لمكانتها بين البلدان والشعوب.
نعم، سيطر تاريخ جمال عبدالناصر وهيمن على كل المشهد السياسي، لأنه بكل صراحة كان رئيسا كاريزميتيا مفوّها في الخطاب، والجماهير المصرية والعربية بحاجة إلى «قائد ضرورة» فالتفوا حوله لوجود إنجازات ناصرية ظهرت في تلك الحقبة، فتم رفع لافتة الاشتراكية، وتعزز اليسار ودور الشيوعية وضاعت حقوق الإنسان ليتنامى التشدد الإسلامي ويصحو المارد من قمقمه وأيد خفية ربما تكون أجنبية لترعاه وتظهره بأسوأ صورة وأقبح النتائج، للأسف!
آخر الكلام: اليوم في المشهد العربي وأمة العرب ينساقون أمام المشاريع الاستسلامية المعروفة باسم: «صفقة القرن» يستعيد الكثيرون «الناصرية» لأنها تعيدهم إلى الهتافات والنعرة القومية وحتى التفكير إلى أقصى اليسار العربي، خاصة بعد بروز اليمين المتطرف الأوروبي والعنصري في كثير من حكومات العالم للأسف!
وكل هذه العنصرية موجهة ضد المهاجرين العرب والإسلام!
ومضة: اتخذ الرئيس جمال عبدالناصر «السوفييت» الملاذ الآمن له ولقوته مقابل الفريق الرأسمالي الذي تقوده الولايات المتحدة والأوروبيون، وهو الأمر الذي جعل «أعداءه ومناصريه» يتفقون على ضرورة إزاحته بعد أن مُلئت السجون وخرج الآلاف من مصر إلى المنافي، وهم خيرة أبناء مصر، واستفادت دول كثيرة من هذه الخبرات ومنها الكويت ودول الخليج العربية وأوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وغيرها من دول المهجر!
في عهد الرئيس جمال عبدالناصر رُفع شعار «الوحدة العربية» ولكنه ضيعها في مواقفه وحروبه مع اليمن ومع إسرائيل والتي خسرنا فيها معظم اراضينا في فلسطين وسيناء والجولان!
وسار من بعده القذافي والأسد وصدام حسين والبشير وكلهم أسوأ من بعض لأنهم تقمصوا شخصيته في محاولة للسير على نهجه وكان مآلهم الموت على أيدي أبناء شعبهم او ازاحتهم عن الحكم، وكان تيتو ونهرو وسكارنو ونكروما اكثر الرؤساء قربا منه وهم اكثر من نكّل وقتّل في المسلمين!
زبدة الحچي: المواطن العربي «غير المسيّس» اليوم، غير المواطن العربي العادي بالأمس، وقبل الـ 67 سنة التي مضت، خاصة بعد أن انكشفت الحقبة الناصرية عن طريق الإعلام والشبكة العنكبوتية، وإصدارات الكتب ومذكرات العسكريين والمدنيين الذين كانوا شاهدين على ذاك العصر وأسراره، وكم كنا مخدوعين ولا يزال التاريخ يزوّر، للأسف!
والله، وأنا أكتب استحضرت انقلاب حسني الزعيم في سورية في عام 1949 وهو انقلاب مهد الطريق لجمال عبدالناصر، حيث سار على خطاه بإرادة أميركية وأظنه انتصارا أميركيا على البريطانيين في صراعهم على تركة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية والتي خرجت منها بريطانيا مستنزفة بعد أن كانت الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس!
من هنا، كانت بداية أميركا القوة العظمى في تثبيت الرئاسات وتفضيلهم للخاكي العسكري!.. وآخرهم القائد العسكري حفتر؟!
جمال عبدالناصر.. «صفحة انطوت» له مؤيدوه ومناوئوه!.. وظل الخلاف وسيبقى!
والأكيد أن الراحل عبدالناصر له حسنات، وله سيئات، ولتبقَ الحقيقة التي يجب أن يتقبلها المواطن العربي ولا يزعل وهي «تخليد البشر» عملية تحتاج إلى وقفة في ظل عمى الألوان الذي يزغلل عيوننا ـ ولايزال ـ وتقليب التاريخ والأحداث مواجع!
في أمان الله..