[email protected]
أعرف أن عنوان مقالي لبرنامج حواري عربي يُبث من قناة أبوظبي، وفكرة البرنامج تقوم على أساس التسامح والمحبة والترفع، ونجح فيه زميلنا وأستاذنا المتألق دائما جورج قرداحي (وفرصة أقول له: خي جورج بدي أعتذر منك أني «اقتبست» عنوانكم الثري بخصاله الإيجابية).
عزيزي القارئ الكريم اليوم قضيتنا هي ظاهرة القطيعة بين الأقارب، خاصة الإخوة والأخوات، وتقطّع صلات الأرحام!
شلقصة؟ عداوات بين أفراد الأسر ليس لها حل.
هناك قضية تزداد كل يوم وضوحا وهي (حجم العداوات بين أفراد العائلة)، وهذه الشجرة غير المثمرة تضع بذرة شقاق وكراهية وسرعان ما تنتشر بين أفراد الأسرة الواحدة لتتمزق العلاقات وتعود بالضرر على الكل، خاصة في حال وجود (أحفاد وصغار وشباب دون الوعي والفهم)! هم يراقبون ويتعلمون.
في هذا الزمن غاب (التسامح) و(العفو) وهما خلق عربي وإسلامي، وأيضا كويتي، إلا أنه في الآونة الأخيرة تراجع هذا التسامح أمام التوتر والعداوة والعجز في إنهاء العلاقات ذات الرحم الواحد!
طريق العداوات سهل جدا والهدم بسيط، لكن البناء أمر شاق وصعب وغاب عن المشهد (وسطاء الخير) وتراجعوا أمام الهجمة الشيطانية التي تستهدف الأقارب والأهل والأسر والعائلات!
هناك مشكلة اجتماعية تتعدى جغرافية الكويت وهي حجم العداوات إن بدأت وكأنها النار تنتشر بالهشيم في المجتمعات العربية خاصة.
اليوم نحن أمام (قسوة القلوب) وممارسة (فترة الهجر) وهي ليست بالأيام والأسابيع، بل بالسنوات للأسف.. وحاملها يفتخر بأنه يمارسها!
والمصيبة الأعظم يوم يتحول هذا التقاطع إلى دافع لتدبير المكائد والتصيد بالماء العكر والإساءة والتربص ونيل السمعة وممارسة الإهانة ورفع يد التشاحن والتباغض حتى كسر العظم.. والشماتة!
في ديننا وعقيدتنا وشريعتنا وأعرافنا وعاداتنا وتقاليدنا صلة الرحم (واجبة) وقد بيّن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن قطع الرحم من أكبر الكبائر، والأحاديث في هذا السياق كثيرة، وفي حين يدعونا الإسلام دائما إلى الوحدة وعدم التفرق في قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) آل عمران 103.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال).
إذن النصوص الدينية منعت التهاجر وحرمت الظلم والبغي والعدوان، وحذرت من مغبة ممارسة الفُجْر في العداوة وتأجيج الخلافات والفتنة بين الناس والأقارب والأهل. وفي الأثر أن (صلة الرحم) مُجلبة للرزق.
ونظرة لمن يمارس هذه العداوة بالتقاطع والتدابر والخصومات والتأجيج والتحريض، فإنه سينال غضب رب العالمين على إحداث هذه (الخصومة) ويتحمل وزرَ كل الأضرار الناتجة عن هذا التغطرس والتكبر وعدم سماع الناصحين لإنهاء هذه العداوات.
٭ ومضة: المشكلة دائما تبدأ صغيرة ثم تنتج عنها مشكلات وأقاويل وأفعال ومواقف تنم عن سوء أدب في الخطاب، وما ينتج عن هذه التراكمات من (شينة الأنفس) وما تسبّب هذه الزلّات من خراب في أنفس العائلة الواحدة أو الإخوان والأخوات لسيطرة الشيطان على كل هذه المواقف وإشعالها بعيدا عن النوايا الحسنة وغياب المصلحين والمبادرين في أوقات إشعال مثل هذه المعارك والعداوات!
إن القطيعة أمر غير صحي لأنها تفكّك الأسرة الواحدة لانقطاع صلة التواصل والتكامل وما يترتب على هذا الأمر من تباعد اجتماعي وعاطفي بين أفراد الأسرة الواحدة وهي في حقيقتها (خلافات) لا طائل منها سوى غياب قيم التراحم وسيطرة الأفكار الشيطانية.
٭ آخر الكلام: العاقل من يراجع نفسه (النفس اللوامة) ويسعى للتصالح لأن في الصلح خيرا للجميع، وهو ليس (تنازلا) وإنما رفعة عند الله وينال صاحبه الأجر العظيم لأنه البادئ بالصلح.. أليس هذا الحال أفضل من القيل والقال بين أفراد الأسرة الواحدة لأسباب تافهة، وقد تصل بك إلى الانتقام وإلحاق الأذى بأقرب الناس لك دون أي اعتبار لصلة الدم التي تربطك بأرحامك، فما بالك بأخيك وأختك والخالة والعمة؟!
٭ زبدة الحچي: لأجل هذا كله جعل الإسلام والشريعة الغراء للبدء بالصلح أو السعي فيه منزلة عظيمة من رب الأرباب، وعلينا جميعا أن نرفع شعار إصلاح ذات البين بين الأفراد والأسر، وأن نحارب ذا الوجهين والفاسق الساعي في خراب البيوت وهدمها، وليكن شعارنا دائما (الصلح خير) وكظم الغيظ ودحر الشيطان ووسوسته ورد مكائده بالتمسك دائما بفضيلة الإحسان والمبادأة بالخير للأهل والأرحام.
المطلوب اليوم من عقلاء القوم في الأسر والعائلات والأفراد التصدي لمثل هذه القضايا المدمرة للوشائج والعلاقات الإنسانية ولنتذكر وصية رسولنا الكريم: «لا تغضب لا تغضب».
التصافح والغفران ودحر وساوس الشيطان كلها أمور مستحسنة وان الصفح أعلى مراتب الثقة بالنفس والتناسي أفضل من اجترار الماضي بآلامه وأحزانه و«شوفوا» قاعات المحاكم تتعظوا!
كم عائلة انفرط عقدها نتيجة هذه العداوات!
نحتاج إلى الصبر والتروي والحكمة في هذا الزمن، وعليك أن تملك قلبا أبيض تتجاوز به عن أخطاء الآخرين كي تسير السفينة إلى ميناء الأمان.
ويبقى الهجر وتبقى المخالطة والصفح والغفران، وتمسّك دائماً بالإيجابية والمسامح كريم.. في أمان الله.