[email protected]
يقولون: من خاف سلم، وفاز باللذات من كان جسورا!
وما أحوجنا إلى الإصغاء في زمن علو الصوت والضجيج، فالإصغاء فن يجمع الخلق الكريم والذوق والمحبة والصبر!
من نافلة القول إننا كجيل مخضرم نعيش بين جيلين وربما كنا محظوظين لأننا عشنا طفولتنا بين الأحياء، كما عشت في منطقة القادسية، كانت الحياة بسيطة ليست فيها تخوفات ومحاذير، الأولاد يتجمعون ويلعبون والبنات أيضا والجيران حينذاك أهل وعزوة!
انظر اليوم الى هذا الجيل الإلكتروني، أولادا وبنات، أكبر من أعمارهم ويعرفون كل شيء وما لا يخطر على بالك وهذه (الميديا) صارت شريكا للآباء والأمهات في توجيه الجيل وتربيته رضينا أم زعلنا وضربنا رأسنا في الطوفة!
ثقافات مختلفة وصراع فكري وتسلل تغريبي مدعوم لهدم ثقافتنا الإسلامية!
ما أحوج رجال التربية وعلم النفس والشريعة والاجتماع لأن يجلسوا كي يخططوا لهذا الجيل الصاعد حياته (√)!
خذوا من جيلنا عدم التسرع في الحكم والوصول للمغانم!
خذوا من جيلنا حكمة الانتظار والتعلّم وتكوين الخبرة!
خذوا من جيلنا حفظ الأمانة ونقاءها والصدق في القول والعمل!
لندع نظرتنا الرشيدة في اختيار الوسائل والأساليب المعنية والأسلوب!
اتركوا حفر الخنادق لتعميق الخلافات والجدل العقيم!
مررنا نحن بمزالق كثيرة في طريقنا ولم يساعدنا أحد، لكن اليوم الحال اختلف وتطور وربما (صمود جيلنا) كان له أعظم الأثر في توجيه أفراد هذا الجيل وتثبيته!
في السابق، كانت الأسرة والمدرسة والمسجد وقطاعات المجتمع المدني وجمعيات النفع العام كلها توجه وتساعد في التربية!
اليوم الحال تبدل واختلف، ودخلت (الشبكة العنكبوتية) في حياتنا وصارت هي التي توجه (عيالنا) جيل اليوم نحو استشراف المستقبل وكل حسب أجندته وأهدافه!
ما أحوجنا الى الارتباط والتلاقي والتوافق في النهج والقول والعمل!
إن مجموعة تجاربنا وذاكرتنا التراكمية هي في الأصل مهداة للأجيال!
إن التجربة خير مُعلّم للإنسان وتجربة الجيل الذي سبقنا من الأجداد والآباء، ونحن اليوم كلها خير (رصيد) والمأمول من قيادات المجتمع المدني أن تستفيد من (الرصيد التراكمي)!
قال النابغة الذيباني:
ولا خير في حلم إذا لم تكن له
بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
لقد استفدنا من تجارب الأجداد والآباء، وأرى ضرورة أن يستفيد هذا الجيل من تجربتنا وما بها من مناهج وتجارب وحكم وتاريخ ومواقف!
قال تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) الأنبياء 18.
أنا شخصيا، عايشت (صحوة إسلامية مباركة) وتنقلت في حركاتها وحلقاتها وهذا لا يعني بالضرورة أنها (كاملة)، بل هي تجارب بشرية قابلة للصواب والخطأ، وتبقى قضية بلوغ الغاية وإن ظن الظان أنه قارب بلوغ الغاية حتى لو وصلها فعلا فإنه سرعان ما يدفع عنها ويرمي بها للاتيان بشيء جديد من التجارب، وهي قد تصلح أو تخيب ما دام البناء في كل الاحتمالات على غير أسس سليمة!
٭ ومضة: كل التناهي غلط، خير الأمور الوسط، وعظمة الأجيال في قدرتها على الاعتدال لا التطرف، وفي قدرتها على تجاوز الأخطاء! علينا أن نلتفت أولا الى الاختلاف الفقهي وأثره، فالغرب اليوم يعمل جاهدا على تربية (جيل عربي مسلم) مصاب بالإرجاف والتشكيك وأول ما يضعونه اليوم في طريقنا هو الاختلاف الفقهي!
إنهم بكل قوة يملكونها، يحاولون تجفيف الينابيع العربية والإسلامية التي تغذي الحقل الإسلامي المستهدف، ما خلق جفوة بين الجيلين فتراجع المد الإسلامي المستنير وتصدر (المشهد) كل المناهج الباطلة!
٭ آخر الكلام: ليس لدي أفضل من هذا البيت الشعري لعله يوصل مقصدي إليكم:
لا تسلكن طريقا لست تعرفها
بلا دليل فتهوي في مهاويها
ما أحوجنا كرجال تربية وشريعة واجتماع واقتصاد إلى العودة الى تراث السلف، رضوان الله عليهم، الذين جابوا في زمانهم الآفاق والأمصار لينقلوا لنا (حضارة وسطية باسم الشريعة الإسلامية) ونجح الأعداء في جعلنا مادة ترمز للإرهاب لسوء تصرفاتنا.. للأسف؟!
٭ زبدة الحچي: من أصعب الأمور التي أراها اليوم هو (الإسلام السياسي)!
ولا شيء أخطر من أمة جاهلة لتاريخها متغربة عن أصالتها وثقافتها!
نحن الآن أجيال مختلفة، فجيلنا المخضرم تربى في البيت والمدرسة والمسجد وحضر المحاضرات والندوات والملتقيات وترسخ علمه، وجيل اليوم لا عاد البيت يربي ولا المدرسة قائمة بواجبها ولا المسجد، ما يجعل هذه الأجيال تعاني الصراع الفكري، وهنا قطع حبل الصلة بين الجيلين خاصة في وصول (معوقين) لهم أهدافهم ووسائلهم حتى صار حالنا كما هو في هذا البيت الشعري:
ألم تر أن السيف ينقص قدره
إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
زاد اليوم (المشهد الدرامي) لأمتنا ظهور الزعامات والقيادات حتى صار العرف القائم هو حب الثناء من الناس والحرص على الظهور!
أجيالنا راقبت الأحداث وصمتت حشيمة لأننا (آخر جيل الحشيمة)، أما الأجيال الحالية فلسانها طويل:
وكذبت طرفي فيك والطرف صادق
وأسمعت أُذني فيك ما ليس تسمع
لم تفلح العلمانية قديما في إضعاف الكنيسة إلا بعد أن قطعت حبل الصلة بين جيلها وشككت في رجال الكنيسة والدين وفي أصولهم وفكرهم، عندها خارت الكنيسة على ركبتيها، والعاقل من اتعظ بغيره والأحمق من اتعظ بنفسه.
يا خوفي وكل المحافظين من (الجاي) في زمن الضجيج الإلكتروني والسطحية الفكرية!
أتمنى أن تكون الرسالة وصلت لأن للكاتب قلبين، قلب يرى ويتألم، وقلم يتعلم ويكتب!.. في أمان الله.