[email protected]
الداد كلمة كويتية تُستخدم في لهجتنا وهي وسيلة (توسل) الى الله، ويقولها الناس على ألسنتهم في حال الضنى والوجع إذا أتعبهم شيء قالوا: الداد الداد!
وبعضهم يضيف: الداد، الداد يا رب العباد!
وهي باختصار: رجاء من الرب لصرف شيء مرهق متعب، (الداد) الله المعين، الله يسهل، يا حسرتي، وهي هكذا الداد الداد لي!
أما الاستبداد.. فنظرة الى الوطن العربي لا تحتاج الى قاموس كي تعرف الاستبداد!
هو باختصار: الانصراف عن جادة العدل وهو الداعي للانعتاق لنيل العزة والكرامة والسؤدد!
تذكرون في بداية تعليمنا على مقاعد الدراسة وفي الثقافة العربية والموروث الإسلامي ما كتبه عبدالرحمن الكواكبي في كتاب قيم ألفه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد)!
الاستبداد اليوم بكل صراحة وشفافية في الوطن العربي هو إلغاء الآخر وتقليص كيانه!
هو الاستحواذ على طائفة وتحشيد لجمع عنصري أحادي!
انظروا الى الثورات التي شاهدناها أو الآن قاعدة تتشكل بدوافع كثيرة واقعية ترفض «الاستبداد والتفرد» ولغة التهديد والأنا المتفخمة والنرجسية الفوقية التي تلغي كل الناس وتتجاهل إرادتهم ومقترحاتهم وطموحهم، يقول الله تعالى (كلّا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) العلق 6 - 7.
الاستبداد (داء)، اليوم ينخر في جنبات الوطن العربي على كل المستويات، انظروا الى الجزائر والعراق وسورية والسودان ولبنان!
أنا لا أرى حصر الاستبداد في الحكام فقط، وهذا خطأ كبير، بل يجب أن يكون التشخيص واقعيا لكل أطراف العلاقة، صحيح (الحاكم المستبد) أثره بالغ، لكن أيضا هناك حكومة وبرلمانا وقضاء وأجهزة تنفيذية. والاستبداد لا يمضي في أي أمة ما لم يتحول الى قيمة مجتمعية، قال تعالى: (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين) الزخرف: 54.
لقد عانت هذه الأمة المنكوبة من مفاهيم أحدثت القابلية للاستبداد في أذهان الناس فاستتب هذا الداء في واقعنا في حين شريعتنا الإسلامية الغراء نبهت تحت الأخذ بالأحوط ما أدرج تحت (سد الذرائع)!
وما أكثر الدعاة والمشايخ والأئمة الذين زينوا للطغاة استخدام هذا الفقه فحبسوا الناس من أن تجهر بالحق من باب (سد ذرائع الفتنة) فسحق الناس وتعاموا أمام هذه الطائفية الفئوية والحزبية في ظل قوانين طارئة سادت في (الفئة المدعومة) على الأمة المسحوقة وعمد هؤلاء المتغلبون قديما وحديثا إلى (تجيير) الحكم لهم ووفق مصالحهم، وهكذا سرى الاستبداد فحُرم الناس من حق الرأي والتفكير والتعبير وسط قمع ليس له مثيل، ونظرة للعراق تجدون ما أكتبه ماثلا، عشرات القتلى وآلاف الجرحى فقط لأنهم طالبوا بحقوقهم بعد أن وصلوا الى خط الفقر، والأجنبي الذي احتل ديارهم ينهب ثرواتهم تحت أعينهم ويقمعهم!
٭ ومضة: لابن الجوزي مقولة عظيمة تصلح لهذا الزمان، يقول: «وقد لبس إبليس على أقوام، من المحكمين في العلم والعمل، فحسن لهم الكبر بالعلم والحسد للنظير والرياء بطلب الرئاسة فتارة يريهم ان هذا كالحق الواجب لهم، وتارة يقوي حب ذلك عندهم وقد يدخل إبليس على هؤلاء بشبهة ظريفة فيقول: طلبكم للرفعة ليس بتكبر، لأنكم نواب الشرع، فإنكم تطلبون إعزاز الدين ودحض أهل البدع، وإطلاقكم اللسان في الحساد أغضب للشرع»!
٭ آخر الكلام: لقد أثبت التاريخ أن الذوات لا تصاب بالتضخم في المجتمعات، فيشيع الاستبداد إلا حين تغفل عن المشروع الذي نشأت من أجل تحقيقه أو تفقد الايمان به، وطالما الناس اجتمعت مطالبهم على إحقاق الحق وانتصرت «الجمعية» وذهبت «الفردية»!
٭ زبدة الحچي: الناس في الوطن العربي والبلدان الإسلامية قوتهم في الاتحاد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه» رواه البخاري.
اليوم الناظر للشباب في الجزائر والسودان والعراق وليبيا وغيرها من الدول يرفعون شعار الإصلاح لإزالة كل الفاسدين بالحكم الذين تضخمت ذواتهم وجيوبهم!
نحن في زمن وأجيال ترفض الاستبداد وتطرح الشورى لتعصم نفسها من الزيغ والانحراف وتكرار الاستبداد!
ما أحوج هؤلاء الشباب في كل مكان الى تخطيط قيادي محكم، وعمل تنفيذي متواصل، ومتابعة وتقويم وتقييم مستمر حتى لا تحدث الفرقة والتفتيت!
والله يعين الشعب العربي في مشارق الأرض ومغاربها ولا عجب إن صرخوا.. الداد، الداد، الداد يا رب العباد!
في أمان الله..