[email protected]
نعيش في عصر كثر فيه الإلحاد، وهذا الملحد- سُدت عليه الأبواب أو فتحت- اعتاد أن يتخيل حُججاً زائفة يطرحها وهي مجموعة عبارات سخيفة، إذا جوبهت بالأدلة العقلية الناصعة تحولت إلى هباء منثور، قال تعالى: (كسراب بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءهُ لم يجده شيئا) النور: 39.
ونحن جلوس على مقاعد الدراسة ما زلت أذكر قول أستاذي محمد الشابوري، مدرس اللغة العربية في معهد المعلمين (1969 - 1970): يا أبنائي الطلبة: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، سماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج ألا تدل على العليم الخبير؟
إن الإيمان بالغيب هو سمة مميزة للمؤمن الحق، وقد اثنى الله جل وعلا على الذين يؤمنون بالغيب في غير آية. أما الذي لا يؤمن إلا بما رأى وأدرك بحواسه فنقول له: إن الحواس قد تُضلَّل بالسحر أو المرض وغيرهما من الأسباب، فيكون إدراكا كاذبا كما قال القائل:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
وينكر الفم طعم الماء من سقم
وبالتالي نقول له: هل كل الموجودات تُدرك بالحواس؟
سائل صفيق من هؤلاء الشباب الذين قرأوا كتب الإلحاد الموجودة بالأكوام في المعارض والمكتبات، والله وحده يعلم مَنْ وراءها لتدمير شبابنا بقضية الوجود، وكل هؤلاء المضللين يسألون سؤالا واحدا: أين الله؟.. للتشكيك!
على الآباء والأمهات في هذه المرحلة أن يستعدوا لأسئلة «عيالهم» من الأبناء والبنات بعد أن كثُر الخبث والفتن للأسف.
نحن جيل مخضرم تعلمنا أن فوائد العقائد والأدلة العلمية على الإيمان بالله سبحانه هي:
أولا: العدم لا يخلق شيئا.
العدم الذي لا وجود له لا يستطيع ان يصنع شيئاً لأنه غير موجود، قال تعالى: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون) الطور: 35 - 36.
ثانيا: التفكر في المصنوع يدل على بعض صفات الصانع.
إن كل شيء يوجد في المصنوع يدل على قدرة أو صفة عند الصانع، فلا يمكن أن يوجد شيء في المصنوع إذا كان الصانع لا يملك القدرة أو صفة مكّنته من فعل ذلك الشيء في المصنوع.
قال تعالى: (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض) يونس: 101.
قال تعالى: (أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون) الأعراف: 185.
ثالثا: فاقد الشيء لا يعطيه
إن الذي لا يملك مالاً لا يطلب الناس منه المال، والجاهل لا يأتي منه العلم، ذلك ان فاقد الشيء لا يعطيه، وبالتفكر والتدبر رأينا علامات الله في المخلوق والعلامات التي تعرفنا بالخالق سبحانه.
فالذين يزعمون ان الطبيعة خلقتهم خالفوا العقل وحاربوا الحق، لأن الكون كله يشهد أن خالقه حكيم، عليم، هادٍ، رزاق، حافظ، رحيم، واحد أحد.
الطبيعة الجامدة لا تمتلك علماً ولا حكمة ولا حياة ولا رحمة ولا إرادة، فكيف ظنّ الجاهلون هذا الظن وفاقد الشيء لا يعطيه؟!
قال الشاعر الجهبذ احمد الرصافي النجفي:
هل في عيون الملحدين عماء
أم في عقول الملحدين غباء؟
أيجوز عقلا أن عقلا مبدعا
قد ابدعته طبيعة بلهاء؟
فإن الطبيعة أدركت وتصرفت
قلنا: الطبيعة والإله سواء!
الله أحيا الكائنات بسرّه
وبسرّه تتفاعل الأشياء
٭ ومضة: اليوم يستطيع المسلم القارئ لتاريخه المتمسك بعقيدته الإسلامية أن يرد على أمثال هؤلاء الملاحدة، فما تدركه بحسّك لا شكَّ في أنه موجود، وأمور كثيرة لم نشاهدها ولكن نحسّها ونوقن بوجودها، انه «اليقين» بالحسّ والمشاهدة، وهي دليل أن الإنسان الصادق مُصدَّق من الآخرين، أليس كذلك؟
لوثة الإلحاد في تزايد وهكذا نراها ونبّهنا إليها ولا يمرّ وقت إلا ونطرح هذه القضية لنحذّر شبابنا من لوثة الإلحاد والوجودية، انها والله بضاعة اجنبية صدّروها إلينا من خارج حدودنا، لكن المؤمنين لها بالمرصاد والله لا يهدي كيد الخائنين!
ان الإيمان بالله عز وجل ضرورة عقلية ووجدانية ونفسية واجتماعية وسياسية ولغوية.
«وهو معكم أينما كنتم»
رابعة العدوية قيل لها: إن فلاناً أقام ألف دليل على وجود الله! فضحكت وقالت: «دليل واحد يكفي».
قيل: وما هو؟ قالت: «لو كنت ماشيا في الصحراء وحدك وزلّت قدمك في بئر فلم تستطع الخروج منها، فماذا تصنع؟». قال: أنادي يا الله؟
قالت: «وذاك هو الدليل».
٭ آخر الكلام: الكون من حولنا مليء بالأسرار التي لا تنتهي:
لله في الآفاق آيات لعل
أقلها هو ما إليه هداك
ولعل ما في النفس من آياته
عجب عجاب لو ترى عيناك
والكون مشحون بأسرارٍ إذا
حاولت تفسيرا لها أعياك
٭ زبدة الحچي: هناك غيبيات خمس اختصّ الله بها نفسه والتي تلخصها الآية الكريمة، قال تعالى: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ان الله عليم خبير) لقمان: 34.
أحيانا أشفق على هؤلاء المساكين الذين غرّتهم الدنيا ووسوس الشيطان في عقولهم وقلوبهم وضمائرهم. لقد ظنّ هؤلاء الملاحدة انهم تحرروا من كل عبودية، وأنهم نبذوا الخضوع للإله ووضعوا الايمان بالرب وراء ظهورهم وكذبوا.
في حقيقة الأمر هم استبدلوا العبودية للخالق بالعبودية للمخلوق، واستبدلوا الواحد الأحد بآلهة شتى واتخذ بعضهم أرباباً من دون الله، وبذلك هبطوا من اعلى مراقي الحرية الى حضيض درجات العبودية حين عطّلوا عقولهم وضمائرهم عن العمل والبحث السليم للوصول إلى حلاوة الإيمان!
أيها القراء في مشارق الأرض ومغاربها لنناجِ عظمة خالقنا تعالت قدرته: فاللهم اننا نشهد انك لا إله إلا أنت سبحانك رب المشارق والمغارب والنجوم والكواكب، تباركت من إله صادق وتعاليت من رب حق.
ودعوة للدعاة المقتدرين على المشاركة بإرسال ما يدعم هذا المقال، فلا يجدي السكوت عن هذا الكم من الالحاد والملحدين.. اكتب وشارك برأيك لعلك تضيف ما يفيد هؤلاء الشباب الضحايا.
وأدعو لهؤلاء المساكين الضالين لعل من دعائنا ما يعصمهم أن يكونوا وقودا لنار جهنم وبئس المصير.. في أمان الله.