في الحياة تجد الساسة يقولون: المصلحة هي كذا..!
وأهل الشريعة يقولون: المصالح اليوم تقتضي...
المصلحة اليوم ليست كلمة مفردة أبدا.
المصلحة اليوم يستظل بها الصالح والفاسد للأسف على حد سواء!
كيف نفهم المصلحة في ضوء شريعة ديننا لأن الشرع جاء لجلب المصالح ودفع المفاسد.
وهذه المصالح منها مصالح عليا ومنها مصالح وسطى تهم عامة الناس ووسطهم ومنها مصالح متعلقة بالأفراد.
الكل يقول لك (المصلحة)، وهذا يعني مصلحة متعلقة بالدين وتارة بالدنيا.
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأرضاه فسرها بأنها ما أمر الله به فمصلحته راجحة وما نهى عنه فمفسدته راجحة.
إذن الله سبحانه وتعالى بعث الرسل بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها والنبي صلى الله عليه وسلم دعا الخلق بغاية الإمكان ونقل كل شخص الى خير مما كان عليه بحسب الإمكان.
في ضوء ما قرأت عبر سنوات طويلة ألخص لكم المقصود بالمصلحة.
هي خمسة: (ان يحفظ الله دينك، ونفسك، وعقلك، ونسلك ومالك).
فكر معي عزيزي القارئ الكريم هل ما ذكرت ضروريات؟
نعم ضروريات ويجب علينا المحافظة عليها لأن مقصود الشارع من الخلق في إعمار الأرض تلك الخمسة: ان يحفظ عليهم دينهم ويحفظ عليهم أنفسهم من الإهلاك والإتلاف او الإنقاص، وأن يحفظ عليهم أموالهم، وأن يحفظ عليهم عقولهم، وأن يحفظ عليهم نسلهم وأعراضهم.
أعتقد- ويشاركني القارئ- ان النقاط الخمس التي ذكرتها ان حافظنا عليها هي (مصلحة) وانظروا حوالينا في هذه الحروب والكوارث كيف تغيب (المصالح) فيتم الاعتداء على النفس وتهدر الأموال ويقع الظلم فتتم السرقات وتضيع كرامة الإنسان وعرضه ونسله.
ويبقى السؤال الذي لابد منه: من يلي المصالح ومُطالب برعايتها؟
إنه ولي الأمر ثم يأتي من بعده أصحاب الشأن التنفيذي والتشريعي وما يليهم من قوى وفق ما قاله نبينا صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
إذن تحقيق المصالح الشرعية منوط بكل أحد حسب حاله ومنزلته ووظيفته حتى نصل الى الزوج والزوجة (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها).
إذن خطابنا الإسلامي واضح لا لبس فيه بأن الإمام (راع ومسؤول عن رعيته) وهذا يدل على ان الخطاب بتحقيق المصلحة ودرء المفسدة عن الأمة منوط في الأصل بحكم عقد البيعة بالإمام وولي الأمر ثم هو منوط بنوابه سواء كانوا أفرادا أو جهات.
بلدي الكويت اليوم قد تكون (أنموذجا طيبا) تتضح فيه بيان (المصالح) فالقضاء يأخذ لك الحق من خصمك في حال النزاع والجهات الأمنية هي المسؤولة عن ضبط الجزاءات والجهات الاقتصادية هي المسؤولة عن ضبط أموال الناس فيما يخصها، والجهات الاجتماعية هي المسؤولة عن رعاية الأخلاق المجتمعية والمحافظة على الأسرة وبناء المجتمع.
تبقى الحقيقة: الأفراد مخاطبون لإصلاح بيوتهم فالرجل والمرأة كلهم راع وكلهم مسؤول عن رعيته، فالكل له مسؤولية بحكم الشرع لأن المحافظة على هذه المصالح من حيث العموم فرض وضرورة، فكلما صلح البيت انعكس هذا على المجتمع ثم الدولة، لأن الدين في النهاية يرجع الى عقيدة التوحيد والعبادات ثم الى المعاملات ثم الى الأمور الاجتماعية والأسرية ثم الى الأخلاق.
اليوم الأبناء ما عاد البيت يربيهم، اللهم إلا قلة، ولا عادت المدرسة تعلم وتربي، ولا المسجد كذلك، فالمصلحة هنا (تدعيم العقيدة) أولا حتى اذا صلحت تكسرت على صخرتها (دعاوى الإلحاديين والتغريبيين) الذين يريدون ان يصرفوا (عيالنا) عن حقيقة الدين الى رؤى الشرق والغرب والانحلال والخضوع للوبي المتصالح مع الصهيونية والدينونة له بالطاعة للأسف.
٭ ومضة: أهم (مصلحة عليا) لنا في الكويت الاجتماع حول ولي الأمر ونبذ الافتراق فنحن اليوم في (دولة مدنية)، ونحن يحكمنا - ولله الحمد - أمير الانسانية ولدينا (ولي عهد أمين) ولدينا (رئيس مجلس وزراء) نظيف اليد والسريرة وبرلمان وديوان محاسبة وأجهزة رقابة وحماية للأموال وجمعيات نفع عام ومؤسسات مالية وتعاونية وشعب كريم أصيل، وحتى في عز احتلال العدوان العراقي قالها: نعم.. للشرعية لا للمحتلين ودفع الثمن غاليا، لكن شعبا حضاريا قاد المقاومة في الداخل والخارج وقام بأكبر عصيان مدني ومقاومة باسلة أجبرت كل أحرار العالم على الوقوف معه، وكان شعار اهل الكويت الدائم على مر العقود قوله تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) الأنفال: 46.
٭ آخر الكلام: الدين النصيحة: على كل كويتي بالغ ان يشارك مع كل أفراد مجتمعه وبلده في تحقيق (المصلحة) العليا لدولة الكويت الأبية وأن يكون دائما واضعا نصب عينيه (المصلحة الشرعية)، وكلنا «شفنا» ان المشايخ والدعاة الذين قالوا كلمتهم الأخيرة في (الشركة الجديدة) فجفل الكثيرون وامتنعوا عن المساهمة لأن إذا قال الشرع كلمته تتحقق المصلحة العامة للناس، ومجتمعنا ولله الحمد محافظ في مجمله.
٭ زبدة الحچي: في ظل ما رأينا في (الربيع العربي) من الفوضى غير الخلاقة دعونا نتمسك بطاعة الله عز وجل ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قال: (من أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني).
وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) النساء: 59.
انهم يريدون لبلداننا الفوضى، والجماعة رحمة والفرقة عذاب.
لنعش على أرض الواقع ونترك الخيالات لتحقيق المصالح ودرء المفاسد. لنهتم بتربية أولادنا ونعلمهم (عقيدة دينهم) في ظل استهداف العقائد المخالفة لنا من الشرق والغرب ونحو ذلك.
المصلحة كلمة مفردة عظيمة المعنى أطرحها اليوم على القراء في داخل وخارج الكويت وشعاري ما قاله شعيب عليه السلام ـ حكى عنه ربه قوله: (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله) هود: 88.
بمعنى ان مرادي كله وجهدي في هذه السطور هو مصلحة الإصلاح، أما النتائج فالعلم عند الله عز وجل، لكن تبقى المصلحة الدنيوية طاغية ولنتذكر ان الذئب يأخذ من الغنم القاصية.. وما أكثر الشياطين الذئاب من حولنا!
قوة بلدنا وشعبنا في هيبتنا مجتمعين ولنبدأ جميعا بوضع (مصلحة عليا) آنية هي (محاربة الفاسدين والإبلاغ عنهم وإن كانت هذه مهمة الدولة). نريدها «كويت» نزيهة ومن محاسن ما علمنا الأجداد والآباء ان يكون المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا.
في ختام مقالي: اللهم وفق المصلحين في بلدي واجعلهم من رشد الى رشد ومن هيبة الى هيبة.. إنك على كل شيء قدير.
أفخر ببلدي وشعبي والحفاظ على الكويت أعلى (مصلحة).
في أمان الله.