[email protected]
عندما كنا صغارا مراهقين في منطقة القادسية كانت أكبر أحلامنا شراء كرة قدم كي نلعب بها مع عيال الفرجان القريبة منا، وإذا حصل (لابچين) حذاء كرة، أوه محد قدنا، عكس اليوم الجيل الحاضر أحلامه أجهزة ذكية ورحلات سندبادية لأرض الميكي ماوس!
على مدى ساعتين حضرت للأستاذ د.طارق علي الحبيب دورة بعنوان: «المراهق المميز» مساء السبت 8/2/2020 في برج أحمد الدور الأول بمنطقة شرق، ولعلي في البداية أشكره على كريم دعوته لي الشخصية لحضور دورته النوعية، وثانيا أشكره أيضا على دوره التنويري في تغيير مفهومنا للطبيب النفسي المختص بعد أن أظهرته الأفلام العربية للأسف مجنونا وأرقوزا ومتآمرا ومريضا.. إلخ)!
ما قصر دكتورنا «د.أبوعلي» غيّر مفهومنا حول هذا الأمر، والله يعينه على تكملة دوره الإيجابي لأدوار الدكتور النفسي المتخصص في المجتمعات العربية!
أعود للدورة المتخصصة، فعلى مدى ساعتين جلست مستمتعا بما رأيته من (أستاذي ومعلمي وموجهي) د.طارق الحبيب في طرح مسألة غاية في الأهمية، فليس هناك بيت يخلو من مراهق أو مراهقة؟.. والصعوبة تكمن في التعامل ونتائج هذا التعامل وغياب الطريقة المثلى للتعامل مع هذا المراهق الجميل؟
استطاع د.طارق الحبيب طوال فترة الدورة ان يشد مستمعيه الذين ضجت بهم قاعة الدورة أن يعطي من علمه لطلابه وكانت بدايته جميلة هي وحدها كافية:
ـ أنا وأبي 4 أعوام: أبي هو الأفضل.
ـ وأنا عمري 6 أعوام: أبي يعرف كل الناس.
ـ وأنا عمري 10 أعوام: أبي ممتاز ولكن خلقه ضيق.
ـ وأنا عمري 12 عاما: أبي كان لطيفا عندما كنت صغيرا.
ـ وأنا عمري 14 عاما: أبي بدأ يكون حساسا جدا.
ـ وأنا عمري 20 عاما: من الصعب جدا أن أسامح أبي، أستغرب كيف استطاعت أمي أن تتحمله!
ـ وأنا عمري 25 عاما: أبي يعترض على كل موضوع!
ـ وأنا عمري 30 عاما: من الصعب جدا أن أتفق مع أبي، هل يا ترى تعب جدي من أبي عندما كان شابا؟
ـ وأنا عمري 40 عاما: أبي رباني في هذه الحياة بكثير من الضوابط ولا بد أن أفعل نفس الشيء!
ـ وأنا عمري 50 عاما: من الصعب التحكم في أطفالي، كم تكبد أبي من عناء لأجل أن يربينا ويحافظ علينا!
ـ وأنا عمري 55 عاما: أبي كان ذا نظرة بعيدة وخطط لعدة أشياء لنا.. أبي كان مميزا ولطيفا!
ـ وأنا عمري 60 عاما: أبي هو الأفضل!
طبعا، وضح دكتورنا أن ما سبق احتاج الى 56 عاما لإنهاء الدورة ليعود الى نقطة البدء الأولى عند الـ 4 أعوام «أبي هو الأفضل»!
رائع جدا د.طارق الحبيب، هذا الطبيب السعودي ابن محافظة عنيزة في منطقة القصيم والحاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة الملك سعود، ولقد طور نفسه عندما التحق في بريطانيا وأيرلندا ليدرس (الطب النفسي) وليكون هذا الأمر محور حياته وحراكه الطبي التوعوي وبيان علاقة الدين بالصحة النفسية!
يكفيه فخرا انه اليوم الأمين العام لاتحاد الأطباء النفسيين العرب، والمشرف العام ومؤسس مركز مطمئنة الطبي بالرياض، وله عيادات في الكويت والإمارات، وشغل مناصب كثيرة من الصعب حصرها!
أعجبني جدا وهو يوضح لنا ان ربط المراهق بوقوع أخطاء وصف غير دقيق، وسرح بنا طوال ساعتين في الحديث عن العوامل المؤثرة في صحة المراهق، وهي:
ـ التربية الاجتماعية والنفسية.
ـ التربية الدينية.
ـ ثقافة الوالدين لمرحلة المراهقة.
ـ ثقافة المراهقين لمرحلة المراهقة.
وتناول أساليب الحوار مع المراهقين خاصة الذين لا يحبون التكلم ويفضلون الصمت، وكيفية شغل فراغهم والصبر عليهم وما يصاحبهم من عوارض جسدية ونفسية!
من جميل ما رأيت في دورته (قلم الرصاص) فيه 5 أمور إن عرفتها فستكون أفضل قلم رصاص ممكنا.
٭ ومضات: لقد تألق حقا عندما جعلنا نعيش تجربة وواقع «تكلم» صانع القلم الى «القلم» الرصاصي طالبا أن يتذكر (5) أمور هي:
ـ لديك القدرة على تصحيح أي أخطاء قد ترتكبها.
ـ ودائما سيكون الجزء الأهم فيك هو ما في داخلك!
ـ ومهما كانت ظروفك يجب عليك ان تستمر بالكتابة وتترك خطا واضحا وراءك مهما كانت قسوة الموقف.
ـ والآن بوضع نفسك محل هذا القلم، تذكر دائما ولا تنسَ هذه الأمور (الخمسة) وستصبح أنت أفضل إنسان ممكن!
أولا: ستكون قادرا على صنع العديد من الأمور العظيمة، ولكن فقط اذا ما تركت نفسك بين يدي الله، ودع باقي البشر يقصدونك لكثرة المواهب التي تمتلكها أنت.
ثانيا: سوف تتعرض لبري مؤلم بين فترة وأخرى بواسطة المشاكل التي ستواجهها، ولكنك ستحتاج الى هذا البري كي تصبح إنسانا أقوى!
ثالثا: ستكون قادرا على تصحيح الأخطاء والنمو عبرها.
رابعا: والجزء الأهم منك سيكون دائما هو داخلك!
خامسا: وفي أي طريق قد تمشي، عليك أن تترك أثرك، وبغض النظر عن الموقف عليك دائما أن تخدم الله في كل شيء!
إذن النتيجة الحتمية: كل منا هو كقلم رصاص تم صنعه لغرض فريد خاص وبواسطة الفهم والتذكر، فلنواصل المشوار الحياتي واضعين في قلوبنا هدفا ذا معنى وعلاقة يومية مع الله.. لقد تم صنعك من أجل أهداف عظيمة.
٭ آخر الكلام: والدكتور طارق الحبيب يشرح في دورته كيفية صناعة المراهق وتجنيبه الإشكاليات والتعامل، تذكرت ما رأيناه في الأفلام المصرية وكيف عرضوا (لا بارك الله فيهم) الدكتور النفسي في الدراما او في إطار كوميدي والصورة النمطية السلبية عن الدكتور الذي يعالج المرضى وهو بحاجة الى طبيب نفسي؟
لقد تربى جيلنا المخضرم على (عدم) الثقة بالدكتور النفسي من هذه الأفلام الهابطة بالأبيض والأسود، وبالفعل استطاعت هذه الأفلام ان تتعمد الإساءة للأطباء وأن تنجح الى حد كبير في جعلنا (جيلا كاملا) يعتقد ان الطبيب النفسي مريض بسبب اختلاطه بالمرضى النفسيين!
من أبرز الممثلين الذين لعبوا دور الطبيب النفسي عبدالمنعم مدبولي والدكتور «شديد» في فيلم عروس النيل ومحمود المليجي وكمال الشناوي وفؤاد خليل وسامي مغاوري وكريم عبدالعزيز وخالد الصاوي، ولم يقتصر الدور على الرجال بل شاركت المرأة مثل نجوى ابراهيم في فيلم المدمن!
شكرا أ.د.طارق الحبيب على انك صححت هذا المفهوم الخاطئ.. شكرا كبيرة يا بوعلي!
٭ زبدة الحچي: صعب على كاتب مثلي ان يعرض لكم دورة لمدة ساعتين في هذه المساحة، لكنني أنصح أولياء الأمور إن كانت هناك دورات قادمة بالالتحاق بمثل هذه الدورات التثقيفية خاصة عندما يشرح الدكتور طارق الأدوار التي يعيشها المراهق مثل: الحالم ـ الساخر ـ العالم ـ المدافع ـ الناسك، وكيف يرى المراهق نفسه وكيف يراه الآخرون.
لقد تكلم د.طارق على مدار ساعتين من الوقت في كيفية التعامل العلمي مع المراهق وهو المتخصص والعالم والأب المجرب على حد سواء!
محطات توقف فيها دكتورنا مثل المراهق والجنس وكان صريحا وشفافا ولا حياء في العلم في قضية العادة السرية!
وخير ما ختم به الدورة كان عن موضوع غاية في الأهمية (أبناؤنا والإنترنت)!
وعرض أين يكون النت ومتى يجب إلغاؤه خاصة إذا ثبت دخول المراهق للمواقع الإباحية، والمراهق والصلاة والضرب والمعاكسات الهاتفية وضرورة توسيع اهتماماته وقراءاته في الدين والتاريخ وممارسة الرياضة وممارسة الأنشطة الاجتماعية والدينية والتطوعية.
تبقى الحقيقة: يا أولياء الأمور تذكروا ختاما: أن التوجيه والإرشاد هو السبيل الأساسي لإمداد المراهق بالمعرفة والخبرة!
أيها المراهق الحبيب: تذكر دائما ألا تترك العبء على والديك، قد لا يملك الوالدان المهارة في التوجيه، لذا فهي مسؤوليتك وأنت جدير بها.
جيل الأمس يحشم ويوجب ويحفظ المكانات والرتب، هذا شيخ وهذا عود وهذا صغير، جيل اليوم حسب بيئته، اما يوقرك او يخزك! والخزة قاتلة أحيانا.
لقد أعجبني وأنا خارج من دورته وجود رف به كتبه واشتريت كل الإصدارات دون تردد.. أبا علي يعجز لساني عن شكرك ولا أملك إلا الدعاء لك ولأمثالك من النخب المثقفة التي تقوم بأدوارها خير قيام.. ألف شكر حبيبنا الذي غيّر مفاهيمنا العالقة من الإعلام الفاسد!
في أمان الله..