[email protected]
هو من الأئمة الأعلام..
الشيخ محمود عيد.. أحد الدعاة المصريين القمم الذين أتذكر أدوارهم بيننا في المجتمع الكويتي، وكان يختار له في كل يوم مكانا ليقول فيه خاطرته في مجمع المثنى أو الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية أو بيت الزكاة أو أحد المساجد في إحدى المناطق ليقف ويقول للمصلين: دقيقتان!
عرفته في الثمانينيات عندما زارني في جمعية المعلمين الكويتية بالدسمة وتعارفنا وكنت معجبا بشجاعته وجرأته، فهو كان طوال سنوات عمره من الأئمة والدعاة القمم، ويمثل بالفعل «الأزاهرة» لأنه خريج الأزهر ويلبس دائما عمامتهم وقفطانهم، وكان - رحمه الله - من شيوخ الأزهر الأكارم الذين يتصفون بالعلم والدعوة الى الله والآداب الشرعية، مفوها بالجرأة في دعوته.
سيرته العطرة وصلتنا ونحن في الكويت وهو في الاسكندرية يخطب مع قرينه الشيخ أحمد المحلاوي - رحمهما الله - وهذه طبيعة العلماء أصحاب المواقف.
عندما قدم الى الكويت أحبه الناس لصراحته وعفويته وأمانته، أتذكر أننا مجموعة رافقناه يتقدمنا الدكتور خالد المذكور والذي كنت أراقبه وهو يحاول أن يخفف عن الشيخ ما أصابه من دوار البحر وطلب منه أن يستريح بعد الوصول الى الجزيرة، فرفض رفضا قاطعا، وقال: لن أستريح إلا إذا استرحتم أنتم كلكم!
شيخنا محمود عيد طراز فريد من الدعاة، فهو مصلح اجتماعي، وأعتقد أنه ليس هناك ديوان إلا وزاره الشيخ محمود عيد، وله أيضا بصمة في أوساط الشباب الذين عاصرهم في داخل مصر، وتحديدا بالإسكندرية وغيرها حتى غزة في خان يونس التي بُعث لها وأرسلته مصر هناك، له جيل كامل من أبطال الحجارة، وهو أنموذج طيب في الاقتداء والتواضع، ومن طبعه إن كان في سفر يقيم في المساجد ويرفض إقامة الفنادق ويأكل مما يأكل عامة الناس.
كنا في رمضان نجتمع في شقته في مجمع المثنى، وهذه الدعوة ننتظرها سنويا منه وأسرته الكريمة ومعنا سيد نوح ونادر النوري وإبراهيم حسب الله، وكان الشيخ يوسف جاسم الحجي - رحمه الله - يقدره ويعزه، ويوصينا بتلبية كل طلباته ويشركه في كل الأعمال الدعوية والخيرية، وكان كل ثلاثاء يأتي لصلاة الظهر في الهيئة الخيرية في جنوب السرة ليقول خاطرته الأسبوعية، وله أخرى في بيت التمويل، وكان يثني كثيرا على أدوار الشيخ عجيل النشمي، ويشيد بأدوار الشيخ عبدالله المطوع وخالد السلطان، ويتذكر زيارته للبلدان الأفريقية والأوروبية، وخصوصا إندونيسيا وسريلانكا في آسيا.
كان يحرص طوال حياته على زيارة العم الشيخ محمد صالح الإبراهيم بقصره في أبوالحصانية كل ليلة جمعة ويلقي درسا قصيرا على الحضور.
٭ ومضة: من يستعرض حياة الشيخ محمود عيد في رحلة الورد والشوك يجد أمامه داعية ينطبق عليه قوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) العنكبوت 69.
استعرضت حياته كلها فوجدت رجولته ولدت في طفولته وصقله الأزهر الشريف، أزعج الرئيس جمال عبدالناصر بخطبه فنقله الى جرجا في صعيد مصر، ثم نقل الى المنيا، ونجح كداعية في الصومال ثم نقل الى فلسطين في خان يونس، ثم رُحّل الى مصر، وعمل في وزارة الأوقاف الكويتية وتبرع بأول راتب للجمعيات الخيرية ثم عمل في بيت التمويل.
رفض الاحتلال العراقي الصدامي الغاشم لدولة الكويت ورفض مغادرة الكويت، وهاجم النظام العراقي في مساجد الكويت، وأشار د.عبدالعزيز كامل على أسرته بعودته الى مصر وقبل تحت الضغط والإلحاح وحتى في طريقهم كان يدخل المسجد في العراق ليدعو على الطغاة، مما جعل ابنه محمد يقول له: «هتودينا في داهية».
٭ آخر الكلام: لقد وصفه العم الشيخ يوسف الحجي - رحمه الله - بالداعية الرباني، وعاشق الدعوة لقب أهداه إياه الشيخ أحمد المحلاوي صديق عمره والمجاهد الأكبر حافظ سلامة والخبرة الضخمة الدكتور محمد عبدالغفار الشريف وانه حقا داعية مجاهد د.عبدالرزاق الشايجي «عصا الشيخ محمود» للشاعر عبدالله زكريا الأنصاري. يقول الشيخ جاسم مهلهل الياسين عنه «تعلمت منه الكثير في رحلة عجيبة»، أما نجله المهندس محمد محمود عيد فيقول: مفاتيح شخصيته.. الحب وقدسية العمل وكراهية الظلم والطغيان.
٭ زبدة الحچي: مازلت على اتصال بابنته البارة أسماء محمود عيد - أم أحمد - صحيح أنني مقصِّر لكنني لم أقطعها وظللت كلما أتذكره أكلمها بالهاتف وندعو له ونستذكر مواقفه وأقواله وندعو لكل من ارتبط به ورحل.
هذه فرصة أذكر فيها أستاذي العزيز الزميل فوزي محمد عويس الذي أوجد لنا كتابا مرجعا عن حياة الشيخ، مستذكرا موقف العم يوسف جاسم الحجي الذي أشار الى ضرورة طباعة كتاب يوثق مسيرته، وتحمل زميلنا فوزي عويس بجدارة هذا الأمر وطبع الكتاب على نفقة محسن كريم من تجار الكويت، أطال الله في عمره، فلم يتردد أبدا في تمويل الكتاب تقديرا لمسيرة هذا الشيخ الجليل رحمه الله.
ما أحوجنا يا شيخ محمود عيد في الزمن الكوروني لأمثالك من المخلصين في دعوتهم، وإننا نتذكرك في هذا البلاء ونترحم عليك لأنك كنت دائما واحدا من الأفذاذ الذين دافعوا عن العمل الخيري الكويتي وخدمة الإسلام والمسلمين.. ترحموا عليه، جزاكم الله خيرا.
..في أمان الله