[email protected]
رحمك الله أستاذ الأجيال الكويتية «أبا أسامة» أتعبت من بعدك!
كلنا مسافر وكلنا على الخط السريع لهادم اللذات..
وكلنا في سير لا يتوقف لحظة واحدة، فنحن مسافرون إلى الله وسفرنا يمضي مع مضي الليالي والأيام كما يمضي مع مضي الشمس والقمر، لذا نحن جميعا في حال سفر وهناك حاجة ماسة أن نراجع حسابنا مع الله رب العالمين..
في حقبة «كورونا» (1441هـ 2020م) فقدنا كثيرا من الأحباب والأصحاب ولم نستطع أن نشيّع جنائزهم واكتفينا بالصلاة عليهم صلاة الغائب، راجين من الله عز وجل أن يعجّل بصرف كورونا عاجلا غير آجل، قال أحمد شوقي:
قم للمعلم وفّه التبجيلا ** كاد المعلم أن يكون رسولا
رحل عنا يوم السبت 28 من شوال 1441هـ الموافق 20 يونيو 2020م ليدفن في مقبرة الصليبيخات.
رحل العم الأستاذ القدير إبراهيم عبدالعزيز المقهوي ـ أبو أسامة ـ عن عمر يناهز الـ 99 عاما، ويقال انه مواليد سنة 1921م، وقد ولد في منطقة جبلة وتعلم في الكتاتيب ثم المدارس النظامية ليعيّن معلما في مدرسة المباركية 1939م بعد أن رشحه ناظرها الأستاذ أحمد شهاب الدين ثم التحق بالمدرسة القبلية وظل يعمل بها معلما حتى 1949.
كان عضوا في لجنة المناقصات المركزية، لكن سرعان ما اتجه للتجارة وأسس مطبعة المقهوي وهي واحدة من أعرق المطابع الكويتية ولعبت دورا كبيرا في سد حاجة وزارة التربية وجمعية المعلمين على وجه الخصوص وكانت المطبعة الأولى في دوار شرق ثم انتقل الى منطقة الري ولديه من الأبناء الذكور: أسامة، هشام، وعلي، أطال الله في أعمارهم.
سفره إلى بريطانيا
سافر أستاذنا إبراهيم المقهوي إلى بريطانيا في الخمسينيات لدراسة أصول الطباعة الحديثة بعد تطور الآلات في عالم الطباعة ثم رجع وبدأ يطبق ما تعلمه في إنجلترا في مطبعته بشرق، وبالفعل الهواية والموهبة والدراسة في عالم الطباعة تجدها بحق في شخصية معلمنا وأستاذنا إبراهيم المقهوي، علم بارز لا يجارى ولا يبارى في عالم الطباعة من ناحية الفهم المهني، رحمه الله.
من الأستاذ إبراهيم المقهوي؟
عجيب أمر هذا الأستاذ في التواضع الجم والعمل الصامت والإنجاز، وهو قيادي من الزمن الجميل بكل المقاييس، أستاذ في التربية والتعليم ومن الرواد الأوائل الذين تحملوا تأسيس ملتقيات المعلمين بدءا من النادي الأدبي الى تأسيس جمعية المعلمين وهو معروف بصمته وعلو همته ورأيه الواثق، لا يستقر في نجاح إلا وانتقل الى مكان آخر بعطائه وتحمل مسؤولياته ليضع بصمته وهكذا هو الأستاذ المربي القدير أستاذ الأجيال إبراهيم المقهوي، طيب الله ثراه ومثواه.
إبراهيم المقهوي يمثل الذاكرة (التعليمية والطباعية) في الكويت، فقد عاصر مراحل التأسيس وعمل بها وهو مرجعية في هذين القطاعين وأيضا دوره الوطني الذي ربما لم يلتفت له الإعلام الكويتي، ومعروف عن (أبوأسامة) عدم الإشارة لكل خبيئاته الطيبة التي سأتناولها في هذه المساحة، والخافيات أعظم.
أول مرة جلست معه في جلسة رسمية كانت برئاسة الأستاذ عبدالله الجاسم ـ (أبورائد) ـ رحمه الله ـ وأستاذنا القدير المربي جمعة ياسين والأستاذ المربي فهد البحوه والأستاذ سليمان مظهر والأستاذ أحمد الشطي ـ رحمه الله - في مقر مجلة (الرائد ـ المعلم حاليا) في بداية الثمانينيات والحوار دار حول مجلة الرائد وتطويرها وعقب تسلمي أمانة السر بجمعية المعلمين من (1982 ـ 1986) وأنا أهاتفه وأزوره في مطبعته بالشرق، وأراه وألتقي به في الجمعية مساء وفي يوم الجمعة بالديوانية حيث كان أحد ركائزها وأعمدتها ـ رحمه الله.
خبيئته
من المواقف الخيرية التي قصدته بها، كانت في عام 1982 مجاعة في السودان في منطقة اسمها الأبيض وبعد عودتي عملت كتابا يدرس فيه الطلاب الاريتريون، في كسلا تجمع الاريتريون في السودان وفاجأني اذ قال لي سنأخذ منك ثمن الورق فقط (الكتاب اسمه «ندرس ونناضل»)!
وقام د.عبدالرحمن السميط، رحمه الله، بشحن الكتاب الى السودان وتسلمتها هناك ليستفيد الطلاب الإريتريون بالكتاب.
مستشار أمين
كثير منا الذين شاركوا في قيادة مسيرة المعلمين يلجأ للأستاذ إبراهيم المقهوي لطباعة كتاب أو فعالية لمدرسة او نشاط تربوي، وأبو أسامة خير مستشار أمين عندما يقول لك السعر لا تراجع من بعده لأنه يتاجر (مع الله)، وأعرف الكثير من الزملاء الذين طبع لهم كروت زواجهم ومناسباتهم من نظار ومدرسين وموجهين ومواطنين، لا أتذكر في حياتي اتصالا معه إلا خرجت برأي مستنير منه خاصة بأمور الطباعة (ملك) مهنيا وأخلاقيا ـ رحمه الله.
ديوانية الجمعية
كان له تواجد يومي مساء وفي يوم الجمعة قبيل صلاة الظهر وإن كان لهذه الديوانية حكيم فهو الصامت المنجز ذو الخلق الرفيع مع زملائه الأخيار (رحل البعض رحمهم الله) وبقي الأحياء الكرام (الله يطول بعمرهم في صحة).
ولم ينقطع إلا بعد ان اشتد عليه المرض.
بطولة وطنية
هو لم يتكلم إلا شيئا قليلا عن قضية (اعتقاله) ونجله أسامة في الجابرية قبيل التحرير اذ اعتقله جلاوزة النظام الصدامي الباغي وعند الفرز أخلوا سبيله لكبر سنه واعتقلوا نجله أسامة، ومعروف عن الاستاذ ابراهيم المقهوي شجاعته وإقدامه الجسور في قول كلمة الحق وعدم مجاملته على حساب الحق في كل حياته، عفيف اللسان نظيف اليد عطر السمعة والصيت والسيرة والوطنية.
٭ ومضة: الأستاذ القدير إبراهيم عبدالعزيز المقهوي ـ رحمه الله ـ من الشخصيات الكويتية (الكاريزما) ذات الدلالات التربوية والتعليمية والطباعية والنشر والثقافة والآداب والتأليف وعالم الكتب، وله من المواقف النبيلة ما يعجز عن ملاحقتها القلم، ورحل في ذمة الله مكتنزا الكثير من المعلومات النافعة.
وأرجو من القارئ الكريم أن يتلمس لي العذر فأنا مازلت حتى هذه اللحظة أجهل كثيرا مما قام به وهو على قيد الحياة، وأتذكر مرة اتصلت به كي نعمل له مقابلة في «الأنباء» وافق وطلب التأجيل وجاء الاحتلال ليباعدنا عن تحقيق هذا اللقاء.
٭ آخر الكلام: الأستاذ المستشار التربوي إبراهيم المقهوي، احد رجالات الكويت الذي أدوا برضا وقناعة كاملة أدوارهم ومواقفهم ومساعيهم الطيبة في كل مجالات الحياة برجاحة عقولهم في قياس الأمور فكان أستاذنا (أبو أسامة) واحدا من هؤلاء الأعلام الأخيار الذين حازوا ثقة واحترام الجميع لهم.
٭ زبدة الحچي: وأنا أكتب عن رجالات الكويت من أمثال أستاذنا المربي القدير إبراهيم عبدالعزيز المقهوي وأدوارهم وتضحياتهم في خدمة وطنهم وشعبهم أشعر والله بيقين ثابت لا يتزحزح بأن ما قدموه نابع من طيب معدنهم وقيمهم ومبادئهم السامية وأنا وغيري ممن نكتب عنهم نشعر بالرهبة ونحن ندون سيرتهم العطرة لأنهم جيل نظافة اليد والذمة.
وقبل الختام في الوقت الذي أدعو فيه بالرحمة والمغفرة للعم الأستاذ إبراهيم المقهوي نتمنى على الدولة ان تطلق على دوار شرق دوار إبراهيم المقهوي أو اسم مدرسة تخلد ذكرى هذا المربي الذي جمع بين التعليم والتربية وأصول الطباعة المهنية تقديرا لجهوده في نشر العلم والتعليم من خلال ممارسة التدريس وصناعة الطباعة ودعم النشر والتأليف والثقافة والعلم في ربوع الكويت.
وأتقدم بخالص التعازي وصادق المواساة الى عائلة المقهوي الكريمة وأسرة الفقيد ولجمعية المعلمين الكويتية لوفاة العم الراحل الكبير إبراهيم عبدالعزيز المقهوي، سائلا المولى عز وجل ان يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، (إنا لله وإنا إليه راجعون)..
في أمان الله.