[email protected]
اليوم كلنا نعيش دوامة التعليم الذي وصل إلى مستويات منحدرة في التصنيف العالمي، خاصة الكويت، وظهرت ثالثة الأثافي التعلم عن بُعد بعيدا عن التعليم التقليدي، وهذا يمكن أن يجعلنا كلنا نسأل سؤالا مهما للغاية: كيف علّم القدماء أبناءهم؟
وللإجابة عن هذا السؤال أراحنا د.عبدالله يوسف الغنيم بكتاب من تأليفه يحمل مسمى: التربية والتعليم في التراث العربي (كيف علم القدماء أبناءهم) ليسد ثغرا مهما في المكتبة العربية، وليعرفنا بهذا التعليم وهو بالأصل محاضرة ألقاها د.عبدالله يوسف الغنيم عام 2004 ضمن الدورة الحادية عشرة للموسم الثقافي التربوي للمركز العربي للبحوث التربوية تحت شعار «ثقافة الطالب أين موقعها من مدارسنا»، وكانت الندوة بإشراف رئيس المركز د.مرزوق يوسف الغنيم الذي اقترح على المؤلف التوسع فيها وطباعتها في كتاب لتعم فائدتها على أصحاب الميدان التربوي والتعليمي، وفي حقيقة الأمر لم أعجب أبدا، فكلاهما له باعه في التربية والتعليم وهما بالأساس نواخذة تعليم وتربية وكل منهما له إنجازاته في هذا القطاع، وكلاهما يتبوأ مناصب تربوية وتعليمية وكانا على الدوام ومعهما أكبرهم وأولهم أستاذنا القدير المربي الأستاذ د.يعقوب يوسف الغنيم، وطبيعي جدا أن يكون دائما المخرج من آل الغنيم الكرام يصب في صالح التربية والتعليم والتوثيق والتاريخ والإصدارات القيمة.
لقد أخذنا د.عبدالله الغنيم في رائعته الجديدة القيمة إلى تعليم القدماء بين التلقين والتفكير والتوجيه نحو التخصص والتعلم الذاتي واكتساب المعرفة وتوجيهات ووصايا تربوية وتعليمية والتعليم والتأدب في كتب الحسبة والمنظومات والأراجيز التعليمية والكتب والموسوعات ودورها في تيسير سبل التعلم والتعليم الخاص، ثم ملحق: في سياسة الرجل ولده، فالخاتمة.
لقد أمتعني د.عبدالله الغنيم بكتابه القيم وكيف أنه سلط الضوء على مرحلة مهمة من مراحل نهضتنا التعليمية لنستشف منها الكثير من العبر والدروس ونحن نبني ونطور تعليمنا الحديث.
لقد استطاع د.عبدالله الغنيم أن يوجه كل المهتمين بالتربية والتعليم إلى ضرورة طرح السؤال: كيف علّم القدماء أبناءهم؟ وهذا مفيد لواضعي المناهج والنظم التعليمية ويوجه المعلمين وأيضا الدارسين الى أهمية أن ذلك التعليم لم يقتصر على (التلقين والحفظ) بل اهتم أيضا بالتعليم القائم على التوازن الدقيق ما بين (الحفظ والاستنباط).
وينبه الدكتور في مؤلفه الى ضرورة وجود (شيخ - معلم) يوجه طالب العلم ويسترشد المتعلم به، كما حصل للمتصوفة عندما أضلوا الطريق بغير علم.
وأشار المؤلف الى أهمية كتب المعلمين وكتب (الحسبة) على وجه الخصوص لأنها تحفظ حقوق كل من المعلم والمتعلم وواجباتهما وأيضا العلاقة بين المعلم وولي الأمر والطالب، وتم وضع الأحكام التي ينبغي أن يلتزم بها الجميع.
كما أكد المؤلف على أهمية المذاكرة والمناظرة والتأني والتأمل والبعد عن الغضب وضرورة شغل النظم التعليمية بمنهج وقد دلنا على ذلك مجموعة المخطوطات ودورها في حفظ المعلومات وتوثيق التاريخ التعليمي.
ويضرب المؤلف في قصة (حي بن يقظان) والتي ترجمت إلى اللاتينية ثم إلى لغات العالم من الهولندية والإسبانية والألمانية والفرنسية وكان لها أثر كبير في مناهج التربية الغربية.
ويوجه المؤلف نصيحة: ما أحرانا اليوم أن نعود لمراجعة تلك الأعمال ونراجع مناهجنا ونعيد إلى المعلم والتعليم العربي والإسلامي هويته ونظامه، مع عدم الإخلال بمتطلبات العصر الحديث والأخذ بالنافع من معطيات تطور العلم عالميا اليوم.
٭ ومضة: 150 صفحة قرأتها من الجلد إلى الجلد ووعيت لمناشدة الباحث والمؤلف والمؤرخ الذي يوجهنا الى ضرورة معرفة أنه لا يزعم من وراء هذا (البحث والمؤلف) أن نتقيد بما فعله القدماء أو نقتفي آثارهم دون إدراك لمتغيرات العصر والتطورات الحادثة على مستوى التعليم ومناهجه وأساليبه في العالم.
٭ آخر الكلام: شكرا كبيرة للدكتور المتألق دائما في سماء التربية وعالم إصدار الكتب والتوثيق والتاريخ والجغرافيا الذي يريدنا أن نستخلص العبر من تجارب هؤلاء الذين علموا أبناءهم عبر التاريخ ومروا بتجارب لا حصر لها حتى تقدموا في مختلف العلوم وغدت لتجاربهم نتائج ملموسة.
٭ زبدة الحچي: وأنا أقرأ كتاب د.عبدالله الغنيم أرجعني ليوم كنت في عنفوان الشباب أقرأ كل ما يقع في يدي وأفادني في حياتي مثل رسائل إخوان الصفا وكليلة ودمنة، وقصة حي بن يقظان وكتب المنفلوطي والزمخشري وابن بطوطة، وكلها مؤلفات تُحرِّك فكر المتعلم وتُوسِّع مداركه وتفتح له مجالات البحث والتقصي والاستفادة من تجارب الآخرين.
كتاب رائع بروعة صاحبه.. وإضاءة جميلة لكتب التربية المعتبرة.. في أمان الله.