[email protected]
القضاة هم العدل على الأرض ومقياس الخير في الأمم ومعيار العظمة فيها.
القاضي شخص غير عادي له ولاية القضاء يحكم بين الناس وفقا للقانون بين المتنازعين ويرأس سلطات وظائفه. و«القاضي» تعني لغة القاطع للأمور المحكم لها ومن يقضي بين الناس بحكم الشرع. والقاضي من تعيّنه الدولة للنظر في الدعاوى والخصومات وإصدار الأحكام التي يراها وفقا للقانون، والقاضي يجب أن يكون مؤهلا ومتخصصا ودارسا وملما بمبادئ القانون الذي يحكم به وهو شخصية غير عادية منها أن يكون محمود السيرة، حسن السمعة، يحكم بما أنزل الله في كتابه الحكيم، عزيز النفس، بعيدا عن الأطماع، مترفعا عن كل دنيئة، لا يقضي بغير دليل، لا يحابي ولا يجامل، صارما إذا تكشفت له الحقائق، وليس هناك من يعيقه في حكمه وقراره محاباة لأحد ولا يبخس آخر.
في كل تاريخ دولة الكويت دعم الحاكم هذا القاضي ووفر له سبل العيش ليمارس عمله، وليس لأحد فرض آرائه وإرادته عليه، وهو محصن لا يطمع فيه أحد أبدا ولا يتجرأ أحد عليه، وهو مأمون الجانب لدى الحاكم من كل وشاية، والحقيقة أن للقاضي منزلة كبيرة في المجتمع الكويتي.
أنا لا أعرف تاريخ القضاء في الكويت، لكنني قرأت فيما كتبه علامة الكويت المؤرخ عبدالعزيز الرشيد البداح رحمه الله، الذي ذكر أن أول قاض عين في الكويت هو الشيخ محمد بن فيروز، ولم يذكر تاريخ توليه المنصب، وذكر أن الشيخ ابن فيروز توفي سنة 1135هـ، نقصهم من 1442 يطلع 307 سنوات.
ويقال في التاريخ الكويتي إن منصب القضاء تولاه بعد ابن فيروز رجل من آل الجليل. ولما قدم من الأحساء القاضي الجليل محمد بن عبدالرحمن العدساني زوجه ابنته وتنازل له عن منصب القضاء إعجابا بعلمه فباشر القضاء سنة 1348هـ بوفاة عبدالله بن خالد العدساني وقد باشر القضاء علي بن شارخ نحو ثلاث سنين والسبب أنه جرى خلاف بين محمد صالح العدساني وابن شارخ في صوم الثلاثين من شعبان إذا غم عليه، ثم عاد محمد العدساني إلى القضاء بعد وفاة ابن شارخ، وذكر هذا الشيخ يوسف بن عيسى القناعي في كتابه «صفحات من تاريخ الكويت».
وفي تاريخ الكويت سلسلة من القضاة:
1 - الشيخ محمد بن فيروز، وقد توفي سنة 1135هـ وشغل القضاء نحو 35 سنة، ومن بعده ذكر القاضي ابن عبدالجليل.
2 - الشيخ محمد بن عبدالرحمن العدساني من سنة 1170 وتوفي سنة 1197هـ.
3 - الشيخ محمد بن محمد العدساني من سنة 1197هـ الى 1208هـ.
4 - الشيخ محمد صالح العدساني من سنة 1208هـ الى سنة 1225هـ.
5 - الشيخ علي بن شارخ من سنة 1225 الى سنة 1228هـ.
6 - عودة الشيخ محمد صالح العدساني للقضاء من سنة 1228 الى سنة 1233هـ.
7 - الشيخان علي بن نشوان ومحمد بن محمود من سنة 1233هـ الى سنة 1235هـ (هذان توليا القضاء بالوكالة حتى استعاد القاضي عبدالله العدساني القضاء).
8 - الشيخ عبدالله العدساني من سنة 1235هـ الى 1274هـ.
9 - الشيخ محمد بن عبدالله العدساني من سنة 1274هـ الى 1338هـ.
ويقال إنه في أيامه الأخيرة باشر القضاء ابنه عبدالعزيز، ولما توفي تولى ابنه عبدالعزيز القضاء وساعده عبدالله بن خالد العدساني. وقد توفي القاضي عبدالعزيز العدساني سنة 1339هـ.
واضح ان هناك في القضاء الكويتي علما وإرثا، لكنها سيرة طيبة، ولم يذكر عن قضاة الكويت من خالف الشرع.
ومن نوادر قضاة الكويت الأكارم رحمهم الله هذه النادرة: أنه جرت مذاكرة عند الشيخ محمد العدساني في زكاة الفطر وأنها تكون من غالب قوت البلد، فقال رجل من طلبة العلم: نعم، لكن البر أفضل من غيره لأنه غالب قوت البلد في رمضان، فرد عليه القاضي: إذن فلتكن الفطرة تشريبة(أي ثريدا)!
٭ ومضة: في هذه المرحلة من اجتياح كورونا لنا سنة 1442هـ الموافق 2020م علينا أن نذكّر الأبناء والأحفاد بتاريخ هؤلاء القضاة الذين ساهموا مع بقية الشرائح الأخرى من العلماء وعامة الشعب، في قيام دولة يشار إليها اليوم بالبنان رغم كل المحاولات الدنيئة التي يحاول بها أعداء الكويت تصغيرها وتمني الزوال لها، لكننا قوم كما يقول الشاعر:
إذا مات منا سيد قام سيد
قؤول لما قال الكرام فعول
لقد تربينا كجيل مخضرم على «السنع»، ويحاول كل واحد منا أن يعطي الصورة الأمثل عن الشعب الكويتي وتاريخه، ولا نترك الفرصة أبدا لأناس أغرار يحاولون أن يسرقوا الكويت ويدمروا سمعتها بكل ما استطاعوا، قبحهم الله وأخزاهم وفضحهم.
٭ آخر الكلام: منصب القاضي من المهن الرفيعة المحصنة ولا يجوز أبدا الزج بأسماء القضاة والمستشارين في (الميديا) لأن هذا خط أحمر مجرم!
٭ زبدة الحچي: يطرح دائما كاستشهاد الحديث الشريف عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ: رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَلَمْ يَقْضِ بِهِ، وَجَارَ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ لَمْ يَعْرِفِ الْحَقَّ، فَقَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ، فَهُوَ فِي النَّارِ». رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
ولهذا تهتم الدول بهذا الأمر الجسيم لخطورة هذه المهنة ولأن القضاة مفاخر كل أمة حية وراشدة.
إن بعض القضاة ممن يقع الاختيار عليهم يتخوفون ويعتذرون عن حمل الأمانة نظرا لحساسيتها وتعلقها بمعايير الظلم والعدل.
تبقى الحقيقة.. الله يساعد القضاة في هذا الزمان، ففي السابق كان الصمت المطبق هو الذي يسود المجتمعات لكن الآن مع وجود الميديا والتواصل الاجتماعي بات من الضروري التوعية بأهمية عزل أي شيء يخص القضاء عن التداول لما قد يترتب على هذا الأمر الخطير من تبعات واهتزاز لمكانة القاضي في نفوس الناس.
في أمان الله.