[email protected]
صار لي أشهر وأنا أكتب عن الفساد والمفسدين، وسأظل أواصل رسالتي في تعرية هؤلاء المجرمين الخونة الذين أساؤوا إلى الكويت وشعبها بأفعالهم الدنيئة وشوهوا سمعة بلد تأسس منذ قرابة نصف قرن على محاسن الأعمال الطيبة بعيدا عن هؤلاء الفجار الأراذل!
منذ أيام خلت دخلت كيفان قطعة 5 لأصلي المغرب في مسجد سعد بن أبي وقاص، وما إن دخلت المسجد حتى دعوت للعم المرحوم بإذن الله ناصر عبدالمحسن السعيد الذي توفي في 15 رمضان 1427هـ الموافق 2006/10/1 عن عمر 98 عاما، والذي خصص ثلث ماله تركة لأعمال الخير ومنها تم ترميم هذا المسجد المبارك وغيره من أعمال خيرية يصعب حصرها في هذا الوقت.
دعوت للعم ناصر السعيد وأسرته وأبنائه الكرام البررة وأعرف منهم اثنين، الأول أستاذنا القدير عبدالمحسن السعيد وكيل وزارة التربية ورئيس جمعية المعلمين سابقا، وعلي السعيد (أبوناصر) الذي زاملته في مدرسة صقر الشبيب لسنوات خلت، وهم والله من خيرة أهل الكويت الطيبين وسيرتهم عطرة، وقد عادت بي الذاكرة الى ما بعد التحرير حين رأيت المرحوم ـ بإذن الله (أبوعبدالمحسن) عند العم يوسف جاسم الحجي (رحمه الله)، وكان العم أبو يعقوب لا يخفي محبته واحترامه لمتبرعي الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية وهم كثر، ومنهم العم ناصر السعيد والعم علي اللهيب وغيرهم كثير، وقد رأيت العم ناصر السعيد يزوره في مكتبه بالهيئة وديوانه، وأعجبني في شخصيته هذا الهدوء والسكينة والصمت الجاد والابتسامة الواثقة.
بالأمس وأنا أجرد مكتبتي وقع بين يدي كتاب بعنوان: الباذل بصمت - ناصر عبدالمحسن السعيد (1908 - 2006) من إعداد وتأليف الأستاذ الدكتور عبدالمحسن عبدالله الجارالله الخرافي، الذي استطاع أن يوثّق لنا تاريخ هذا التاجر الكويتي الوطني، والذي أقدمه اليوم للجيل الكويتي حتى يعرفوا تاريخ واحد من العظام الذين رحلوا عنا ولهم إنجاز مشرف وعملوا بصمت ينفقون ويخافون حين ينفقون أن تعلم شمالهم ما صنعت يمينهم فيحبط عملهم.
قارئي الكريم: العم ناصر عبدالمحسن السعيد أنموذج خيري يصلح أن يدخل هو وأمثاله في المناهج والمقررات حتى يعلم هذا الجيل أن هناك رجالا لهم سيرة عطرة ويد نظيفة وقدوات بأقوالهم وأعمالهم ومنهم أبو عبدالمحسن التاجر الصدوق والمحسن الشفيق والأب والجد الحاني والمواطن الصالح والنموذج الذي نقدمه لعيالنا مرجعا وملهما لفعل الخير.
من يقرأ تاريخ هذا المواطن النجدي الدوسري يعي تماما أنه أمام قامة عز خيرية وطنية.
يقول العم ناصر السعيد (رحمه الله): إن أحد أسباب نجاحه في عمله هذه الكلمات:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة
فإن فساد الرأي أن تترددا
وإن كنت ذا عزم فأنفذه عاجلا
فإن فساد العزم أن يتقيدا
لقد كان العم ناصر السعيد وفيا لوطنه فبنى المساجد التي احتلت سويداء قلبه ومنها مسجد بناه في مدينة جلاجل بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، وآخر في مدينة عنيزة ومساجد في كثير من الدول الإسلامية وأوساط الأقليات المسلمة إضافة إلى أعمال خيرية يصعب حصرها في الكويت وخارجها.
ولفت نظري كتاب شكر من دائرة معارف الكويت لتبرعه بمساحة تسعين ألف قدم لبناء مدرسة بين جليب الشيوخ والعضيلية ووقف عقارين في منطقة حولي، وقدم الدعم المالي للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية وجمعية عبدالله النوري وجمعية صندوق التكافل لرعاية السجناء ومن في حكمهم ودعم اللجنة الشعبية ودعم مصر بعد نكسة 1967 والكثير من التبرعات المقطوعة، كما دعم المجهود الحربي الكويتي، ودعم الصمود الفلسطيني وإغاثة السودان والبوسنة والهرسك وزلزال مصر، وقدم الدعم للبنان واليمن وجيبوتي والصومال، ودعم أنشطة جمعية العون المباشر ودعم الأوقاف في الدول الأوروبية.
٭ ومضة: كتب الكثيرون عن العم المحسن ناصر السعيد وبينوا خصاله وسجاياه، منهم الشاعر ناصر عبدالله السعيد الذي رثاه في قصيدة طويلة أختار لكم منها:
العم ناصر كلنا اليوم ننعاه
يا كود فرقا اللي نوده ونغليه
شيخ يروم المجد من فعل يمناه
الكل يشهد بالثنا عند طاريه
لو قلت أبسلا نقض الجرح طرياه
طيب الفتى من طيب فعله وماضيه
راعي الجميلة يوم الأيام تنخاه
مثل الجبل يرسى وترسى معانيه
حر ولد حر على الجود مرساه
وقت الشدايد لا نخيته تلاقي
لعل قبر ضم جسمه وغطاه
ينشر عليه الوسم يمطر ويسقيه
٭ آخر الكلام: عزيزي القارئ ونحن نذكر محاسن هؤلاء الرجال العظام في الزمن الكوروني نتذكر أفعالهم الخيرة ووطنيتهم الصادقة ونظافة أيديهم وسريرتهم وجمال وروعة تاريخهم المشرف وحتى يعرف الجيل الكويتي الحالي أن هناك رجالا ترفع الهامة وتطيل القامة سيرتهم ومسيرتهم، ومنهم عمنا التاجر ناصر عبدالمحسن السعيد، رحمه الله وطيب ثراه ومثواه.
٭ زبدة الحچي: لقد رثاه كثر ومنهم أستاذنا أبو عبدالله صاحب الكتاب، ورثته مجلة العالمية التي تصدرها الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، لكنني سأجعل الختام لابنتي (غدير) حفيدته التي أجادت الرثاء وأثر في رثاؤها لجدها البار بوطنه وأهله وشعبه، تقول في رسالة طويلة سطرتها من فكرها الحاني الجميل:
«جدي الغالي يبى ناصر.. رحمك الله وأسكنك فسيح جناته، جنات الخلد والفردوس والنعيم، لن تعبر الأقلام ولن تكفي الأوراق ولن تشفي الدموع المكان الذي تركته بيننا والفراغ الذي لن يشغله سواك، فأنت الأب القدوة الذي لطالما نفخر ولازلنا نفخر باسمك الذي نحمله بعد أسمائنا، فنحن أحفادك..
علمنا عنك الكثير من العبر عبر آبائنا وأمهاتنا ما يجعلنا نفخر، وتعلمنا منك أن الحياة عبادة ومشقة وكسب رزق.
حديثك لنا كله وصية ومجلسنا كله حكمة وعلم وسؤالك عن عملنا وتعليمنا كان مصدر دعم لنجاحنا وتفوقنا.
إلا أننا يا يبى ناصر: اشتقنا لك واشتقنا أن تكون لنا شجرة تظلنا في هذه الحياة وجد نرجع له، حبك نراه كل يوم في عيون والدينا، فالأب والأم مهما كبر الإنسان يظل صغيرا في أعينهما وتظل كلمة يبى ناصر.. لك».
الله يا غدير ليس هناك أبدا أفضل وأجمل وأروع مما سطرت.. أبكيتني ومعي القراء الذين شعروا بسطوة كلماتك المفعمة بالمحبة والفخر..
رحم الله العم الجليل ناصر عبدالمحسن السعيد.. ترحموا عليه وزوجته فإنه لم يبخل على الكويت وأهلها بماله.. فكان من الأخيار الذين نضرب بهم المثل وسط هذه الجائحة.. في أمان الله.