[email protected]
فهود الكويت (فهود) لها أشبال وصحائف في تاريخ الكويت، وجيلنا المخضرم يذكر الشيخ فهد السالم والشيخ فهد الأحمد والشيخ فهد المالك، رحمهم الله وطيب ثراهم ومثواهم جميعا، عاشوا الزمن الجميل من تاريخ الكويت، ولهم ما لهم وعليهم ما عليهم.
حديثي اليوم لقرائي سيكون عن واحد من هذه (الفهود) والذي سجل مجدا وعلياء في صفر الكويت وهو المغفور له بإذن الله الشيخ فهد المالك الحمود المحمد السلمان الصباح الذي ولد سنة 1908 وتوفي 2006م وعاش 98 عاما، ودفن في مقبرة الصليبخات، وكان على رأس المشيعين صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، شفاه الله وعافاه.
في سبعينيات القرن الماضي أبلغني ناظر مدرستي الأستاذ المربي الفاضل محمد عبدالرحمن الفارس، أطال الله في عمره والذي كنت أسميه شيخ النظار لأنه كان يداوم منذ السادسة والنصف صباحا حتى دخول جميع الطلاب وكذلك ينتظر حتى خروج آخر طالب من المدرسة، فقد أبلغني بأن الشيخ فهد المالك رحمه الله يرغب في ضم أنجاله لمدرسة صقر الشبيب وبمعلم لغة عربية يدُرِّس أنجاله، وقد كان، وتشرفت بتعليم أكثر من واحد منهم، أذكر الشيوخ أمير ومبارك ونمر وحمد، هؤلاء في ذاكرتي (تلاميذ نجباء ومؤدبون وأذكياء)، وأفرح كثيرا عندما أرى أحدهم يتحدث ويصرح للإعلام وهم بارزون في أكثر من مجال ويستاهلون الخير كله، ورحم من رباهم.
كمعلمين درسنا في مدرسة صقر الشبيب تحت امرة المربي الفاضل محمد الفارس نتذكر الشيخ فهد المالك عندما كان يزور مدرستنا في اجتماع أولياء الأمور أو يطلبنا في غرفة الناظر ليسأل عن (فهوده وأبنائه الصغار) الذين كبروا اليوم وهم مفخرة لعائلتهم وأسرتهم ووطنهم الكويت ويستحقون الدعاء منا لهم بظهر الغيب، ربي يحفظهم جميعا.
كان العم الشيخ فهد المالك عندما يخاطبنا يشعرنا بأدوارنا، وكان دائما يختم حديثه لنا «لكم اللحم ولي العظم»، واليوم وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود أو تزيد قليلا أستطيع أن أقول بكل ثقة: الله يرحمك يا شيخ فهد، فلقد (ربيت) أشبالا تفخر بهم الكويت، والأكيد وراء هذا كله (أم) عظيمة تحصد اليوم زرعها الأخضر!
الحقيقة وأنا أكتب عن الشيخ فهد المالك - رحمه الله - تذكرت أفرادا من أسرة المالك لي علاقات قديمة معهم وهم جميعا كرام وأحباب ويمتازون بالخلق الرفيع والتواضع، وأنا أُحبهم وأُجلهم وأَتذكرهم وأدعو لهم دائما بظهر الغيب ولا أقول هذا تزلفا إنما هو شعوري والحقيقة.
في مقدمة هؤلاء الأماجد أستاذي ومعلمي وموجهي الشيخ صباح المالك. والعزيز أبوعبدالله، هذا المربي الذي أكنّ له احتراما شديدا لنقاء سريرته وأخلاقه وحبابته، واخوانه جميعا أزور ديوانهم في النزهة وأترحم دائما على أخي المرحوم بإذن الله سعود المالك - بوفراس - وهو من خيرة من عرفت وعاشرت، مثواه الجنة يا رب العالمين.
ولي أخ لم تلده أمي أُعزه وأغليه صاحب الفزعات ابن الكويت البار الشيخ فيصل المالك - أبومالك - وهو غني عن التعريف، وأخوه الشيخ أحمد، لهما مكانتهما في قلبي.
كما لا أنسى جيراننا بالقادسية في قطعة 4 الشيوخ (فاضل ومشعل وعذبي) الله يذكرهم بالخير ووالدهم العم (أبوفاضل)، وكذلك أخي الشيخ ناصر المالك - أبو بدر - زميل عمل معنا في مدرسة صقر الشبيب، الله يحفظه لعيون ترجاه.
أعود إلى سيرة ومسيرة الشيخ فهد المالك، والذي كانت له بطولات ومآثر وطنية، حيث تم اعتقاله من قبل القوات العراقية في بيت نجله (عبدالله) في منطقة قرطبة، وللعلم (رفض كل الدعوات التي وصلت اليه من الخارج ليخرج مع اخوانه الأمراء والشيوخ لكنه أبلغهم أنه سيموت دون الكويت)، موقف بطولي ليس بالغريب على الشيخ فهد المالك الذي انتحل اسم (فهد العنزي) أيام الاحتلال العراقي في الجواز واجازة القيادة للتسهيل عليه خلال عمليات التنقل، لكن الخونة أرشدوا المخابرات العراقية عن سكن (الفهد)!
لقد عمل الشيخ فهد المالك - رحمه الله - قبل اعتقاله مع المقاومة الكويتية وأنقذ بماله الكثير من أبناء الكويت الذين أخرجهم من سجون المحتل.. وهذه واحدة من (خبيئاته الخيرة) الكثيرة التي لا يعلمها إلا الله، ولعل هذا الزرع الذي حرص عليه في حياته هو رصيده في الآخرة إن شاء الله.
ويتذكر الشيخ فهد المالك - رحمه الله - كل تفاصيل اعتقاله في الأسر ومعاناته مع أبنائه الشيخ عبدالله والشيخ مبارك وشقيقته وابنتها، وكيف حضر جنود الاحتلال الى المنزل وهم من المرشدين الملثمين وكان عند الشيخ فهد الأخ عبدالمحسن العجيل - أبو براك - ومجموعة من الكويتيين، الأمر الذي جعل الشيخ فهد يصر على إخراجهم لأنهم ليسوا من العائلة وطلب السماح له بالذهاب الى الحمام لتناول أدويته، وصعد الى غرفته وأخذ سبعة آلاف دينار عراقي، وهذا ما استفاد منه لاحقا، فبالمال يسهل عليك كثير من الأمور، وهذا يبين خبرته وذكاءه، كما أحضر لباسا ثقيلا وأركبهم باصا أخذهم الى بغداد. ويعرض الشيخ فهد، رحمه الله، ما مروا به أثناء اعتقالهم من أحوال ومواقف رصدها نجله نمر فهد المالك الصباح في كتابه القيم (لمحات تاريخية من حياة الشيخ فهد المالك الحمود المحمد السلمان الصباح)، ومواقفه الوطنية هذه إنما تذكر وتقال وتكتب كي تطلع الأجيال الكويتية على أفعال شيخ الرجال «الفهد»!
٭ ومضة: شخصية العم الشيخ فهد المالك - رحمه الله - شخصية تجمع الشجاعة والمروءة والكرم والإقدام، ويذكر أنه شارك الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله، ومعروف عن الشيخ فهد حبه للإقامة في المملكة العربية السعودية، حيث الأهل والأصدقاء، وفي إحدى هذه الزيارات علم (الفهد) أن جلالة الملك عبدالعزيز وجه أوامره لقادته بضم المنطقة الجنوبية، فقام (الفهد) من فوره بلقاء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبدالعزيز آل سعود وإبلاغه بالرغبة في المشاركة مع الجيش ورفض الطلب في البداية خوفا على حياة الشيخ فهد والذي أصر على المشاركة والفزعة وكان معه اخوانه الشيخ سعود بن مالك بن صباح والشيخ حمد بن مالك بن صباح والشيخ عبدالعزيز بن مالك بن صباح، وقد سجل التاريخ لهم مشاركتهم العربية في توحيد شبه الجزيرة العربية.
٭ آخر الكلام: كان الشيخ فهد المالك محبا للأدب والثقافة، محافظا على العادات والتقاليد، متمسكا بالدين وإخفاء أعمال الخير، ويعلم الله كم مسجدا بنى وكم من الرقاب أعتق! كما عرف عنه أنه من مرتادي مسجد سليمان الجراح ومسجد مالك في الدعية القريب من ديوانه العامر.
الشاعر الشيخ مشعل مالك الصباح له قصيدة «معتق ارقاب» في رثاء الشيخ فهد المالك أختار لكم منها هذه الأبيات الجميلة:
مرحوم يا رمز الشجاعة والإقدام
النادر اللي ما يهاب الطوابير
شيخ الشيوخ اللي على عزنا قام
يوم الليالي في غناها مداوير
شيخ على الطولات للحق مقدام
سور منيع ما يهاب الأعاصير
ما مات من خلف له عيال إحشام
ندر حرار في الليالي المعاسير
عيال عمي هم ذرى كل من ظام
حنا معاهم في القسى والتياسير
٭ زبدة الحچي: عندما استشرت شيخي العم سلطان بن حثلين أمير قبيلة العجمان بشأن رغبتي في الكتابة عن الشيخ فهد المالك، قال: أحسنت صنعاً، فالشيخ فهد المالك - رحمه الله - شخصية عامة له بصمة وتاريخ، وقد قرأت كتابا فيه لمحات عن تاريخه كتبه ابنه النشمي (النمر)، والعم الشيخ فهد المالك سيرة وبطولة ومواقف يذكرها التاريخ، وكل محطات حياته أكسبته الخبرة والحنكة والحكمة، وشجاعته تجلت خلال الاحتلال العراقي الصدامي عندما رفض الخروج وعانى من الاعتقال أكثر من شهرين وكذلك معاناة أسرته الكريمة، الى أن من الله عليه بالخروج من الأسر ووصل مدينة عرعر وكان في استقباله الشيخ أحمد الحمود ثم العودة الى الكويت. ولعلي أقول في ختام كلامي ان شخصية مثل شخصية الشيخ (فهد المالك) رحمه الله تكتب وتوثق مرجعا للأجيال الكويتية، وهو وأسرته الكريمة في القلب والذاكرة، ولا نملك إلا الدعاء له بظهر الغيب.
ولم أجد ختاما أفضل مما قال العم الشيخ أبوراكان، أطال الله في عمره.. ورحم الله العم الشيخ فهد المالك - فعلا إنه «شيخ الرجال» رحمك الله يا «فهد» وجعل قبرك روضة من رياض الجنة ومنزلتك الفردوس الأعلى من الجنة.
..في أمان الله.