من أهم التساؤلات التي يطرحها المراقبون والمتابعون للشأن السياسي هو حول حقيقة وقوف نواب الموالاة ضد الحكومة خاصة في الاستحقاقات السياسية الأخيرة ومنها استجواب وزير الصحة المعلن والمقدم، وإعلان عدد من النواب مقاطعة جلسة قَسَم الحكومة والتي أعلن فيها أكثر من نائب حكومي نيته الوقوف مع نواب المعارضة.
***
السر وراء وقوف نواب حكوميين ضد رئيس الحكومة وهو أن الحكومة ومنذ تشكيلها الأول بعد نتائج الانتخابات الأخيرة قررت وقف جميع معاملات أعضاء مجلس الأمة، الحكومي منهم قبل المعارض، وكان هذا أكبر خطأ سياسي ارتكبته الحكومة، فغلق حنفية المعاملات في وجه نواب الموالاة سيؤدي حتما إلى تحول هؤلاء النواب المعروفين بحكوميتهم إلى جانب المعارضة، فبعد أن خسروا رضى ناخبيهم في تمرير معاملاتهم لم يعد أمامهم سوى التوجه إلى جانب المعارضة.
***
ولا شك أن وقف معاملات النواب ورفض استقبالهم لدى القياديين أمر حميد ويحقق العدالة الاجتماعية ويقضي على الواسطة ويوقف التعدي على حقوق الآخرين في جميع الوزارات سواء في النقل أو الترقية ولكن من واقع سياسي هذا الإجراء الجديد سيعود بضرر كبير على الحكومة، فأولا ستفقد الحكومة سيطرتها أو على الأقل «ميانتها» على النواب الحكوميين أو المستقلين، فمواقفهم في أي قضية ضد الحكومة ستكون ضبابية حتى اللحظة الأخيرة أو ستكون ضد الحكومة، بهذا تخسر الحكومة شريحة كبيرة من مجلس الأمة لا ستخسر كثيرا في أي تصويت تسعى إليه بأي قانون عدا أنها ستكون هدفا لاستجوابات عديدة، فالنواب الذين خسرتهم الحكومة سيكونون أمام أمرين، إما سيتقدمون باستجواب ضد أي وزير من وزراء الحكومة، أو يؤيدون أي استجواب تتقدم به المعارضة.
***
أمّا كيف عبرت الحكومة جلسة القسم فببساطة أنها اعتمدت على بعض النواب المحسوبين على حلفاء الحكومة وليس الحكومة نفسها.
***
على الحكومة أن تراجع قرارها في وقف معاملات النواب ذلك إذا ما أرادت أن تستمر دون إزعاج سياسي، فهذا الأسلوب المتبع في تمرير معاملات النواب وجد منذ ولادة الديموقراطية، أي أن عمره يتجاوز النصف قرن وتأتي فجأة وتوقفه فسيكون ضررها السياسي عليها كبيرا جدا.
وحتى لا أفهم خطأ فهذا الإجراء الحكومي في وقف تمرير معاملات النواب هو أمر حميد ويطالب به الاصلاحيون، وكما ذكرت أنا مع هذا الإجراء وأؤيده على طول الخط وأتمنى أن يستمر، أقله أن هذا الإجراء سيقضي على آفة الواسطة ويحقق العدالة ويوقف العبث المعاملاتي ويوقف كذلك اكل حقوق الناس.
وأبسط تفسير يمكن أن نقدمه على هذا الإجراء الحكومي «الحميد» أن الحكومة تتمتع بنفس إصلاحي في هذا الجانب على الأقل، أما الجوانب الأخرى فلها ما لها وعليها ما عليها.
***
بظني أن الحكومة لن تستطيع السير في هذا الاتجاه، وإن كنت شخصيا أتمنى أن تستمر في هذا النهج الإصلاحي الحميد، ولكن حديثي في هذه المقالة ينصب من خلال قراءة الواقع السياسي بتجرد والذي يقول إن الحكومة وبسبب اتباعها للنفس الإصلاحي ستخسر الكثير، بل وكثيرا جدا، بل وكثيرا جدا جدا جدا، وستخسر نصف معاركها مع المعارضة ولا أستبعد أن تخسر الحكومة وزراءها في استجوابات مقبلة وسيكون من الصعب عليها أن تقوم بجمع العدد الكافي للوقوف معها في أي تصويت، استجوابا كان أو قانونا، فبإجرائها الإصلاحي هذا خسرت أولوية «الأغلبية المريحة».
***
النواب الذين أوقفت الحكومة معاملاتهم كانوا بمنزلة «الدرع الواقي» من الرصاص، والحكومة قررت خلع هذا الرداء الواقي لتخوض معاركها السياسية من دونه ما يعني أنها في خطر سياسي دائم.
[email protected]