ذعار الرشيدي
من يقرأ الواقع اليومي للبلد يعتقد أنه ينظر إلى خارطة العالم العربي الشهير الإدريسي الذي جعل الشمال جنوبا والجنوب شمالا، وحقيقة لا أعرف السبب الذي جعل العالم الجليل الإدريسي ينظر إلى العالم بالعكس، كما أنني لا أعلم حالة «القلبان» التي تعاني منها بلادنا، فكل شيء يسير بالعكس.
فمثلا بكل ركن في بلدنا الجميل الرائع نجد ينبوعا صافيا تقطر منه الديموقراطية، فجمعيات النفع العام لا يعين أعضاء مجلس إداراتها الا بالانتخاب الحر المباشر عبر تصويت أعضاء الجمعية العمومية، والجمعيات التعاونية كذلك ومجلسا الأمة والبلدي طبعا والنقابات واتحادات العمال والأندية الرياضية، فكل شيء لدينا ولله الحمد والمنة والفضل يسير في مسار ديموقراطي تحسدنا عليه معظم الدول، إلى هنا وخريطتنا الإدريسية صحيحة 100% ولكنها مقلوبة فشمالنا جنوب وجنوبنا شمال.
وإليكم الأدلة: ثلاثة أرباع مجالس إدارات الجمعيات التعاونية وعلى مدار عقود تحل إما بسبب فساد مالي أو إداري رغم أنهم اختيروا من قبل الشعب ويتم بعدها تعيين أعضاء مجلس إدارة لا يسرقون، ونصف الأندية بها من المشاكل ما يوازي ما بجسد عجوز جاوز المائة من العمر رغم أن الشعب هو الذي اختارهم وانتخبهم، ويسري الأمر على اتحادات العمال والنقابات التي لا تخلو من تجاوزات، حيث يقوم بعض أعضاء النقابات بتفصيل آلية الانتخاب وطريقتها على مقاس أعضاء مجالس الإدارة بحيث يمنعون غيرهم من الوصول وكأنها تركة المرحوم ومن أوصلهم إلى سدة الكراسي هو الشعب وطبعا وزارة الشؤون لا تحرك ساكنا حتى ولو هب ألف إعصار وإعصار، ونتوجه إلى جمعيات النفع العام لنجد قلة منها نفعت العامة، أما سوادها الأعظم فما شاء الله «طق حنك وشاي ضحى» وانتخابات صورية شعارها تحصيل حاصل، وطبعا سبب إنشائها والمشاركون في انتخاباتها هم الشعب.
ومن غير سرد للبقية نجد أن كل هذه الأخطاء سببها الشعب نفسه، طبعا بمباركة وثّقتها الحكومات المتعاقبة منذ سنوات وكأنها تقوم بتأصيلها حتى أصبحنا فعلا نعيش حالة من الديموقراطية المقلوبة، نعم لدينا ديموقراطية ولكنها ديموقراطية مقلوبة.
قضى العلماء نحو 200 عام حتى تمكنوا من عدل خارطة الادريسي لتصبح لدينا الخريطة التي نعرفها اليوم بشمالها وجنوبها الصحيحين، فهل نحن بحاجة إلى 200 عام منذ الآن لنخرج من هذه الديموقراطية الادريسية.