ذعار الرشيدي
لا أحد يمكنه أن ينكر أن حركة الإخوان المسلمين هي أفضل حركة سياسية إسلامية مرت في التاريخ السياسي العربي الحديث، قياسا على كل التجارب والظروف التي مرت سواء في مصر بلد منشئها بدءا من نشأتها واغتيال مؤسسها الإمام حسن البنا حتى زمن الاعتقالات العشوائية في عهد عبدالناصر وحظر نشاطها حتى اليوم، أو الجزائر التي وصل فيها الاخوان إلى سدة الحكم لولا الظروف المتغيرة التي أدت إلى الانقلاب على الدستور والقانون تحت جنازير دبابات الجنرالات المدعومين من الخارج، وإلى الكويت حيث تكونت الجماعة كنادٍ ثقافي تحت مظلة جمعية نفع عام واستطاعت خلال سنوات قليلة أن تؤسس لنفسها قاعدة كبيرة تملكت خلالها مواقع سياسية مهمة وأبرزها حصول ممثلين لها على مقاعد في مجلس الأمة بتفاوت الأعداد من مجلس لآخر، وسيطرتهم الكاملة على الاتحاد الوطني لطلبة الكويت لأكثر من عقد، وسواء كان هذا الأمر لجدارتهم أو بسبب عدم وجود منافسين فعليين مقنعين فالنتيجة هي الأهم.
عندما وصفهم أحد خصومهم في مصر بأنهم حزب «مولوخية»، كان يقصد أنهم مطاطيون يتغير شكلهم الخارجي وفق المتغيرات السياسية، وهو تشبيه وإن كان يقصد به السخرية إلا أنه في الحقيقة يحتمل المديح أكثر من كونه سخرية، فالإخوان المسلمون كحركة قادرة على التكيف وتغيير شكلها الخارجي بحسب المعطيات ويقتصر تغيرها على الشكل الخارجي وطريقة السير دون المساس بالجوهر إلا في أضيق الحدود ونجح هذا الأسلوب السياسي لسنوات طويلة وإن كان غير مجد هذه الأيام.
كمتتبع لتاريخهم لا يمكنك إلا أن تعجب بأسلوبهم السياسي، حتى إن كنت تخالفهم وتختلف معهم 180 درجة إذ انه ما من حركة سياسية نشأت في العالم العربي استطاعت أن تؤسس لنفسها قواعد حقيقية في أي مجتمع ظهرت فيه، مع استمرارية البقاء رغم كل الظروف التي كانت تمر بها، ففي حين جفت منابع أحزاب وحركات سياسية أخرى وتقلص حضورها واختفت أخرى وتحولت ثالثة إلى أكثر من شكل وغيرت جلدها، إلا أن حركة الاخوان المسلمين وتحديدا في الكويت ومصر والأردن وفلسطين والجزائر لم تغير ثوابتها وبقيت عليها، لتظل حصانا أسود في مشاهد تلك الدول السياسية في أغلب الحقب التاريخية لتلك الدول، صحيح أنها لم تصل يوما إلى كأس البطولة ولكنها كانت لاعبا رئيسيا ورقما صعبا في جميع المعادلات السياسية.
ينطلقون من قاعدة إسلامية صرفة ويتهمون بأنهم من «المرجئة» في نظر الراديكاليين الإسلاميين وأنهم يتهاونون في التصدي لبعض الحركات الإسلامية الأخرى غير أنهم كانوا أقرب إلى مفهوم الدولة المدنية من غيرهم في غالب الأوقات.
ومن أفضل التقارير التي تناولت حركة الاخوان المسلمين بعقلانية كانت مقالة للكاتب حسن عبدالله في نيوزويك عدد (25 نوفمبر 2008)، الذي تناول فيها الحركات الإسلامية وتحديدا الإخوان قائلا إن الحركة الإسلامية ستكون أقرب إلى مفهوم الدولة المدنية فيما لو أنها سارت على نهج رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وقدم الكاتب عبدالله أنموذجا بحزب الوسط المصري الذي يترأسه المنشق عن جماعة الاخوان أبوالعلا ماضي الذي وصف نفسه بعد أن رفضت لجنة سياسيات الحزب المصرية إشهار حزبه «حزبنا ليس غطاء للاخوان كما يتهمنا البعض والاخوان يعادوننا منذ 12 عاما ولك أن تسمينا الأردوغانيين العرب لأننا نتعامل وفق مبادئ الدولة المدنية من منطلق إسلامي وليس العكس».
وحقيقة فيما لو نسخت التجربة الأردوغانية كما ذهب الكاتب حسن عبدالله على حركة الاخوان المسلمين في الدول العربية التي تنشط بها لتغير مشهدها السياسي بالكامل، ولكن هذا يستلزم تغيرا جذريا وجوهريا في فكر وطريقة عمل تلك الجماعة التي لم تحافظ على كينونتها منذ العام 1928 حتى اليوم إلا بالحفاظ على جوهرها الأصلي وبقي التغير مقتصرا على التعاطي الخارجي مع الأحداث السياسية المتغيرة من حولها.
وفي الكويت تجربة أقرب إلى التحول إلى الأردوغانية في قبول الدخول في الدولة المدنية عن طريق «حدس» التي أعتقد أنها لو اتخذت من الأسلوب الأردوغاني طريقة للعمل السياسي في العامين الماضيين لغيرت وجه المشهد السياسي في الكويت إلى الأبد وهذا ما لم تفعله «حدس» لعدة اعتبارات أولا سيطرة فكر الحرس القديم على الحركة حيث يرى أن تغليب الثبات على التغير واجب وهو ذات الفكر الذي يدعو إلى عقد هدنة مع السلطة ضد خصومها السياسيين سواء من الإسلاميين الآخرين أو الليبراليين، وهو تكتيك سياسي ناجح ولكنه انتهى منذ العام 1990 أي منذ إعلان «حدس» بشكل رسمي كحركة سياسية معلنة بعد أن كانت تعرف لسنوات طويلة باسم الاخوان المسلمين أو «جمعية الإصلاح»، ولكن في ظل الشفافية الإعلامية الطاغية اليوم وزيادة نسبة الوعي لدى الجمهور أصبح هذا التكتيك باليا ومكشوفا وهو ما يرفضه شباب الحركة اليوم الذين يدعون إلى التغيير واتخاذ التجربة الإسلامية التركية كوسيلة للوصول إلى جميع الأطراف باعتماد التوازن والاعتدال في الطرح وليس فقط ادعاء الاعتدال وعقد صفقات مع الحكومة والوصول إلى الجمهور عن طريق الدولة المدنية وليس عن طرق الدعوة إلى دولة إسلامية أو إلى أسلمة القوانين كما هي أولويات «حدس».
بعد خسارة «حدس» المدوية في الانتخابات الأخيرة ليس أمامها إلا أن تعيد ترتيب أوراقها وأن تنهض من جديد بفكر شاب أكثر انفتاحا من فكر الحرس القديم الذي لايزال يعيش صراعات القرن الماضي شريطة التخلي عن فكرة أنهم مخلصو المجتمع والإيمان بأنهم جزء من مجتمع مدني أصبح أفراده أكثر وعيا ومعرفة بجميع الصفقات السياسية والاقتصادية التي تعقد بدءا من صفقة بقال على الدائري السابع حتى «الداو».