بعض المحللين السياسيين يتمتعون بخيال خصب للغاية ويرون خيوط مؤامرة كونية على بلدانهم لا يراها سواهم، وبعض المحللين الموجهين يستحلبون غمائم الخيال ويخترعون مؤامرة لا يعرف سرها سواهم، وعلينا كمتابعين ممن أوقعنا سوء الحظ لمتابعتهم او قراءة تحليلاتهم ان نصدق ما ينسجون لنا من خيال مريض.
ملخص تحليلاتهم الخيالية ان العالم المتجزئ الى شعوب وقبائل وأعراق وملل واديان ركنوا كل الفوارق بينهم وكل خلافاتهم جانبا وقرروا أن يتفقوا علينا، ومسحوا الحدود الجغرافية فيما بينهم رغم تضارب المصالح التي تصل بهم إلى حد الحرب وتنافسيتهم، وقرروا ان يتحدوا لينسجوا ضدنا مؤامرة كونية من أجل تدميرنا وتفكيكنا، وكأن من يسمع ويقرأ تحليلات محللي الغفلة من العرب يعتقد اننا كعرب متوحدون متحدون وعلى قلب رجل واحد، ولسنا كما هو الواقع منقسمين إلى 4574 فرقة ومذهبا وعرقا وقومية، لا تجمعنا سوى حروف اللغة العربية بل إننا نختلف حتى في طريقة نطقها، نحن أصلا لغويا لم نتفق هل هو وسم أم هاشتاق أم هاشتاغ أم هاشتاج، وهذا ابسط متطلبات المفردات الحديثة المشتركة التي نتداولها.
نحن لسنا بحاجة الى مؤامرة عالمية ماسونية سرية لتفرقنا أو تفتيتنا لأننا نحن أصلا مختلفون متخالفون حتى اخر خلية من نخاع كل منا، نحن لا نكاد نتفق على شيء في محيط وطن واحد، فكيف نتفق او نأتلف ونحن أكثر من 50 بلدا إسلاميا بين ممالك وإمارات وجمهوريات وسلاطين؟ الألسنة والرؤى والطموحات والتطلعات تختلف من شعب الى اخر بل من اقليم الى اقليم في ذات الوطن الواحد، ولكننا، لا نرى ونعتقد ونؤمن اننا متفقون متوحدون وان هناك من يسعى لتفريقنا، فكيف تفرق المتفرق أصلا؟! كيف تجزئ المتجزئ؟! وهذا السؤال وحده ينفي أصل فكرة وجود نظرية مؤامرة من جذورها.
نحن وحتى نصل الى واقعنا السياسي اولا علينا ان نؤمن ونقتنع باننا مختلفون عن بعضنا، ولسنا متفقين على شيء، وليس في هذا عيب او سبة او نقيصة، بل ان واقع المنطق البسيط يقول ان كل فرد في العالم يختلف عن الاخر، ولكننا نحن وبسبب تعلقنا بتاريخ نرويه بحميمية وحنين غريبين نرى اننا كنا متحدين ثم تفرقنا، ولكن هذا غير صحيح، لم تكن هنالك تاريخيا حالة اتحاد كاملة لدول منطقتنا منذ العهد الأموي الى ما بعد سقوط الدولة العثمانية، وكل من يقول بان هناك مؤامرة كونية لتفتيتنا، إنما يبني نظريته على شيء لم يعشه العالم الاسلامي يوما في جميع الخلافات والممالك التي قامت به.
هذا الخيال المؤامراتي المريض بل الساذج الى حد المرض الذي يرمي به المحللون الأفلاطونيون أمامنا في قراءاتهم، لما يدور حولنا هو ما يجعلنا نعتقد ان قوة خفية في العالم تسعى لتمزيق امتنا، وهذه فكرة الشموليين في كل الادبيات السياسية.
لا يوجد من يتآمر علينا، لا الغرب ولا دول أقصى الشرق ولا حتى الفضائيون، لا توجد مؤامرة أصلا، وان وجدت فهي في عقولنا فقط التي حبست حاضرها في قمقم ماض لم نقرأه حتى اليوم بشكل صحيح.
[email protected]