لاحظت أمرا غريبا منذ زمن بعيد ولكنه بدأ يتنامى وأصبح ظاهرا بشكل فجّ، وهو أن مقدمي الخدمات كبعض الحلاقين والميكانيكيين والنجارين والكهربائيين يقدمون سعرين مختلفين لخدماتهم التي يقدمونها للجمهور في البلاد، السعر الأول خاص بالمواطن الكويتي والثاني خاص لغير الكويتيين، وطبعا السعر الأول أعلى بكثير من السعر الثاني وقد يصل إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف السعر الثاني، فمثلا تصليح مكيف يحسبها فني التكييف على المواطن بـ 10 دنانير مثلا، بينما يحسبها لغير الكويتي بأقل من 5 دنانير، وهذا واقع الآن وتجاوز مرحلة الظاهرة.
***
وهنا لا أتحدث عن الشركات التي تقدم الخدمات للجمهور بشكل عام كوكالات السيارات ووكالات الأجهزة الكهربائية الكبرى فهي ملتزمة وفق قانون تنظيمها بتسعيرة محدد، ولكن أتحدث عن انتشار هذه الظاهرة بين الوافدين من العمالة الفنية المتخصصة كالكهربائيين والنجارين والحلاقين بل وحتى المصبغة الذي يطلب منك كمواطن نصف دينار لكيّ قطعة ويطلب 200 فلس من غير الكويتي.
***
القصة لاحظتها منذ سنوات عندما انتهى حلاق من قص شعر شخص آسيوي وعندما قام طلب منه نصف دينار، رغم ان التسعيرة تشير الى ان اجرة حلاقة الشعر ديناران، ويومها اعتقدت ان الأمر يدخل في باب الصدقة او التعاطف كون العامل الآسيوي لا يتجاوز راتبه الـ 120 دينارا وان ما فعله الحلاق كان شكلا من الصدقة كما ذكرت او تعاطفا مع حالته، لكن الأمر لاحقا اكتشفت انه ظاهرة عامة «غير ظاهرة» للكويتيين، فتتم معاملتك في بلدك كسائح وتوضع تسعيرة خاصة للخدمات المقدمة لك تختلف عن التسعيرة التي تقدم لغير الكويتي، حتى باعة الملابس يقومون بالشيء ذاته، فإذا كنت مواطنا «صلخك» بسعر واذا كنت غير ذلك هاودك بالسعر حتى تأخذه بنصف او حتى بربع قيمة ما باعه للأخ الكويتي الشقيق، نعم نحن من فئة معينة من العمالة المتخصصة نعامل معاملة السياح في بلدنا، ولو كان الأمر يتعلق بنوعية الخدمة او شكلها لفهمت الموضوع ولكنها نفس الخدمة وذاتها تقدم لك كمواطن بأضعاف ما تقدم لغير المواطن وتحت شعار «يا عمي كويتيين ويدفعون».
***
تخيل انك تشتكي انك عندما تسافر الى بلدان عربية وتعامل كسائح يبيعونك ابو دينار بعشر دنانير، وانت لا تعلم انك تعامل كسائح طول عمرك في بلدك من قبل عمالة متخصصة ترى فيك زبونا «يدفع».
***
حل هذه الظاهرة السيئة التي تنطوي على جانب عنصري «اقتصادي»، وهو ان تضع وزارة التجارة تسعيرة واضحة للخدمات خاصة الكهربائية والميكانيكية والنجارة والسباكة وتعمم بشكل واضح، والأهم ان تقوم وزارة التجارة بدورها الحقيقي في منع ظاهرة انتشار العمالة غير المرخصة لممارسة هذه المهن التي تتطلب مهارات خاصة وأغلبهم يعلنون عن أنفسهم في مواقع خدمات الإعلان وتطبيقاتها والصحف الإعلانية دون سجلات تجارية.
***
ولا ألوم العمالة أنهم يأخذون من المواطن سعرا ومن غيره سعرا آخر لأنهم يعيشون في عالم من الفوضى القانونية، فلا قانون ينظم عملهم ولا يحدد حقيقة حملهم لرخصة ميكانيكي او رخصة كهربائي كما هو معمول به في «الدول الأوروبية والدول المتقدمة»، لأن هؤلاء العمالة لو كانوا يحملون تراخيص رسمية تحدد مهنتهم لأصبحت تسعيرتهم واحدة للجميع ولما بالغوا لجنسية ضد اخرى ولما عاملوا المواطن كسائح في بلده و«صلخ وجهه» بسعر مقابل خدمة لا تساوي حتى ربع ما تقاضاه فقط لأن من قدمها له.. «كويتي فلوس واجد»، وكما قلت لا ألومهم رغم غياب ضمائر اغلبهم لأنهم يعيشون في سوق عمل مفتوح فوضوي بلا رقابة من اي نوع.
***
الحل للقضاء على هذه الظاهرة ان تقوم وزارة التجارة بدورها الحقيقي في سن قانون لتنظيم مهن تلك الحرف او إصدار قرار يقضي بمنح رخص محددة لأصحاب هذه الحرف من الأفراد وذلك من اجل وضعهم تحت مظلة نظامية بدلا من الفوضى الحالية، فالميكانيكي والسباك والنجار والكهربائي يجب ان يعملوا في البلد بموجب رخصة توضح طبيعة عملهم وتسحب منهم في حال مخالفتهم التسعيرة لا بموجب فوضى العمالة اليوم وهو ما يحفظ حق كلا الطرفين العامل المرخص له من جهة والشخص المقدمة له الخدمة من جهة اخرى سواء كان كويتيا او غير ذلك، هذا الفراغ التشريعي سبب رئيسي لهذه الفوضى وتباين الأسعار الرهيب الذي يستنزف جيوب المواطنين بحجة «والله فلوسكم واجد».
[email protected]