السماح أو منع دخول الممثل الكوميدي الأميركي ايدي غريفين يخضع لمعايير اختلاف وجهات نظر سواء ممن طالب بمنع دخوله أو من استهجن المطالبة بمنع دخوله، في النهاية منعته أم لم تمنعه فهو يتجاوز الحدود في توفر عروضه الكوميدية عبر اليوتيوب وتطبيقات الخدمات التلفزيونية مثل نتفليكس وستارز وغيرهما وحتى خدمات تلفزيونية تملكها شركات كويتية تقوم بعض قنواتها بعروض ايدي، هنا قضية منعه من الدخول هو تسجيل موقف لا أكثر، لأن مسألة بحث جدوى منعه أو السماح له قضية تتجاوز الفهم الورقي لقانون تغير وسائل ووسائط الاعلام التي يبدو ان كثيرين لا يزالون يعيشون بعقلية الرقيب صاحب القلم الأسود الذي كان «يشطب» به على صور الممثلات في المجلات الأجنبية التي تدخل البلاد.
***
منع ايدي غريفين ـ وهو ليس ملحدا بالمناسبة ـ بل هو كوميدي يكتب نصوصه ونكاته بناء على حبكة كوميدية تكون ثيمة العرض الذي يقدمه كل مرة، وعموما ما يعرضه هو نص مكتوب فمرة يؤدي دور المصلح الاجتماعي ومرة يتقمص شخصية الساخر الناقم ومرة ينتقد أبناء عرقه، كما قلت هو نص مكتوب يكتبه غريفين بنفسه أو بمشاركة آخرين، أي ان العرض اقرب الى الفيلم الذي يلعب فيه البطل دور اللص، هو حتما ليس لصا، أو البطل الذي يؤدي دور الشيطان وهو حتما ليس كذلك ولا يؤمن بذلك..
***
نحن شعب يعرف بخفة الدم ولسنا شعبا ثقيل دم، بل اننا نصنع النكتة ونحول ماسينا أو حتى أخطاءنا الشخصية الى حالة نسخر فيها منها بطريقة مرتبة..
***
ومرة اخرى حتى نكون اقرب الى المنطق في عرض الأشياء فان ايدي غريفين اذا أردنا تأييد منع دخوله هو هذا القياس التالي: «لنفرض شخصا يسخر من عائلتك ومنزلك وطريقة عيشك ثم يقوم ابنك بدعوته الى العشاء في منزلك؟!» لا اعتقد انك ستقبل، وبالتالي ان كان هناك من منع فهو مبرر وفق هذا المنطق، وان كنت أقول انه ليس المنطق الوحيد كون انه ليس من حقك ان تقرر نيابة عن احد في منع دخول أو السماح لأي احد، في النهاية غريفين مؤدي عرض وليس معتقدا بما يؤديه... فهو ممثل فما يقوله هو طبقا لنص مكتوب ضمن عرض كوميدي اذا ما أردنا ان نفهم الامور بشكلها الصحيح.
***
الغريب في القصة كلها هو تصدي نواب لمشهد قضية منع ايدي غريفين وبشكل حاد وحازم، رغم ان هناك قضايا اكثر استحقاقا وأشد عمقا وتأثيرا ولكنهم لا يتكلمون عنها و«لا يجيبون طاريها لا بخير ولا بشر»، فما بين قضية منع ايدي غريفين وقضية الصراع السياسي الثقيل اليوم هناك قضايا بينهما اكثر استحقاقا لا احد يتحدث عنها أو يثيرها أو يعرضها أو يصرح عنها خاصة النواب، وهنا مكمن الغرابة، فمنع أو حضور غريفين لن يصلح التعليم المهترئ بمناهجه فلدينا جيل وصل الى الثانوية وهو لا يحيد الكتابة الإملائية الصحيحة، منع أو حضور غريفين لن يوقف الهدر الناتج عن الفساد وسوء الادارة، ولن يصلح الوضع السياسي الأعرج.
[email protected]