لا شك أن المطالبة بمزيد من الحريات واجبة ومطلوبة في زمن الفضاء غير المتناهي والذي يملك أي شخص يجيد القراءة والكتابة بـ«كبسة زر» الوصول لأي معلومة يريدها، ولكن الأوجب هو ان نبحث عن جذر سبب المنع لا أن نشتكي أو نتظاهر عند جهة تنفيذية.
***
أعني ما حصل قبل أسبوعين عندما حدثت تظاهرة لمجموعة من الشباب أمام وزارة الإعلام احتجاجا على منع عدد من الكتب بعضها كان مسموحا به سابقا، كمثال رواية غابريل ماركيز التي كان مسموحا بها في طبعة سابقة ومنعت في طبعتها الجديدة غير «المنقحة»، واحتجاج الشباب مستحق، ولكنه كان في المكان الخطأ بل والزمان الخطأ أيضا.
***
ذلك أن وزارة الإعلام بوجودها وهيكليتها هي جهة تنفيذية، اي انه منوط بها تنفيذ القانون كما يرد وينشر في الجريدة الرسمية، وليست جهة تشريعية تحدد ما يسمح به وما يجب ان يمنع، فالإعلام كوزارة في منعها لأي كتاب او فيلم او غيرهما إنما تستند إلى قوانين ثلاثة تحكمها وهي قانون المطبوعات وقانون المرئي والمسموع وقانون الإعلام الإلكتروني، وهذه قوانين خرجت من مجلس الأمة، وتمت الموافقة عليها بالأغلبية سواء بمداولة او بمداولتين، اي انها نتاج مجلس الأمة مركز تشريع القوانين وليست من بنات أفكار وزارة الإعلام ولا قيادييها.
***
إذن الاحتجاج صحيح شكلا ولكنه مضمونا خطأ، اذ ان الشباب المحتجين كان الأجدر بهم حمل لافتاتهم ونقل وقفتهم الاحتجاجية من امام وزارة الإعلام «التنفيذية» إلى مجلس الأمة «التشريعي» فهو صانع القوانين وصائغها، فهو سبب تلك القوانين المقيدة للحريات وليست وزارة الإعلام التي تنفذ ما يصدر عن مجلس امتنا من تشريعات.
> > >
الصحيح هو أن «تشيل قش» احتجاجك وتروح مجلس الأمة، فهنا المنطق، اما ان تذهب باحتجاجك لوزارة تنفذ صحيح القانون، فكأنما انت تقول: «ندري أن فيه قانون بس ما نبيكم تطبقونه»، هنا انت تطلق دعوة صريحة لعدم احترام القانون، بل وتضغط على جهة تنفيذية لتجبرها على عدم تنفيذ صحيح القانون، انت هنا تضرب بالقانون عرض الحائط.. يا مثقف..يا الداعي إلى الحريات.
***
لا يا سيدي، عندك مشكلة مع تطبيق قانون معين، أيا كان هذا القانون، اذهب باحتجاجك او تظاهراتك أمام مجلس الأمة فهناك تصدر القوانين وتطبخ وتسقى لك، بالعربي.. إذا بتحتجون بعدين روحوا لمجلس الأمة وليس للجهة التي تنفذ قانونا أقره مجلس الأمة، أما أن المسألة تسجيل موقف.. وخلص.
***
إذا كان المثقفون او لنقل أنصار الثقافة وأدعياءها لا يعرفون أن وزارة الإعلام هي مجرد جهة تنفيذية لقانون قائم أصدره مجلس الأمة، فلم يمسكون فيها؟!
***
أخوي المواطن تبي تحتج؟! فيه قانون مو عاجبك؟! روح مجلس الأمة، وزارات الدولة مالها شغل بالموضوع، حاسب نوابك ممن شرعوا هذه القوانين، من زاد الرسوم هي القوانين التي شرعها نوابك، من فرض المنع هنا وهناك هي أيضا القوانين التي شرعها نوابك، قوموا بتشكيل لوبي ضغط في مجلس الأمة لتغيير القوانين التي ترون أنها تقيد الحريات وما أكثرها، أما أن تتجه للوزارات للاحتجاج لأنها طبقت القانون فأنت هنا تسجل وبالخط العريض انك تجهل تماما كيف تسير الأمور وفق أطرها القانونية والدستورية.. ولا تعيدونها مرة ثانية.
[email protected]