لكل مؤسسة قوانين خاصة بها تنظم العمل من خلالها وتحدد العلاقة بين مسؤوليها وموظفيها من طرف والجمهور الذي تتعامل معه من طرف آخر سواء كان الجمهور مراجعين أو طالبي خدمة أو طلبة، وهذه القوانين يجب أن تكون واضحة ومحددة لحفظ حقوق الجميع، ولكن عندما تبتكر قانونا خاصا بالمؤسسة فقط لأنك المسؤول الأول فيها أو مديرها فأنت هنا لا تضر بمن ينظم العلاقة بينك وبينهم القانون الخاص بالمؤسسة، بل انك هنا تخالف القانون قبل كل شيء.
****
ما حدث في مدرسة عروة الثانوية للبنين بمدينة سعد العبدالله الأربعاء الماضي كان للأسف ليس فقط كسرا للقوانين المرعية، ضرب الحائط بنشرات وزارة التربية، بل ارتكاب خطأ لا يغتفر كان من شأنه أن يتسبب بكارثة، فمدير المدرسة قرر «من راسه» ان يقوم بطرد كل من يرتدي «التي شيرت» الأبيض، رغم ان أيا من نشرات وزارة التربية لا تحدد القميص الأبيض هل هو تي شيرت أو قميص بولو أو قميص كلاسيكي، ولكن المدير اجتهد ورأى ان كل قميص ليس كلاسيكيا فهو مخالف ويجب ان يعاقب مرتديه، ولكن عقابه كان اغرب من قراره، اذ قام بجمع كل من لا يرتدون «قمصان تقليدية» وطردهم خارج أسوار المدرسة من الباب واغلق الباب عليهم وتركهم في الشارع، رغم ان نشرات وزارة التربية في هذا الشأن واضحة وهي ان يقوم على الأقل بالاتصال بأولياء أمور الطلبة أو يوفر لهم مواصلات لتوصلهم الى منازلهم، ولكن ان يلقيهم هكذا على قارعة الطريق دون وسيلة اتصال أو توصيل فلا اعرف حقيقة ماذا يمكن ان نسمي هذا الأمر سوى انه كسر لصحيح القانون وضرب بعرض الحائط لنشرات وزارة التربية، فهؤلاء الطلاب أولياء أمورهم أدخلوهم المدرسة ورأوهم يدلفون من الباب فأصبحوا في عهدة المدرسة.
****
طبعا، أنا لا اعرف كيف سيؤثر «التي شيرت» على مستوى تحصيل الطالب العلمي وهل سيكون اينشتاين إذا ما ارتدى القميص التقليدي «بو غوله»؟! وللأسف ان وزارة التربية لا تحدد كود الملابس الذي يفترض على الطلبة التقيد به، لذا يخضع هذا الأمر لتحديد الـ dress code لمديري المدارس، ويخضع الأمر لاجتهادات، رغم أن الأمر واضح «حذاء اسود وبنطال رمادي وقميص ابيض»، فكونك «تتفلسف» ولا تريد سوى قميص «بو غوله» هنا معك حق فأنت تجتهد في نشرة غير واضحة، ولكن، ان تطرد ابناءنا وتلقيهم بالشارع دون أدنى وسيلة اتصال بذويهم أو وسيلة توصلهم لمنازلهم وأعمارهم بين الخامسة عشرة والسابعة عشرة، فأنت هنا خرجت عن مسار محدد لك وفق القانون والقرارات والنشرات وبدأت تطبق قانونا خاصا بك و«من راسك»، وهذا اسمه خروج عن القانون.
****
الكارثة هنا ان وزارة التربية للأسف وفي حال حصل أمر كهذا لا توفر جهازا إداريا أو رقم هاتف في المناطق التعليمية لتلقي الشكاوى من أولياء الأمور على ممارسات قد يرونها خاطئة من مدرس أو مسؤول أو مدير مدرسة، واعتقد أن على وزير التربية أن يقوم باستحداث هذا الجهاز وأن يكون واضحا ومحددا ويعلن عنه لأولياء الأمور، تماما كما تفعل وزارة الداخلية التي تعلن للجمهور عن أرقام يمكن التواصل معها اذا لم يجدوا محقق المخفر أو ضابط المخفر.
****
أولياء الطلبة الذين تحدثوا إليّ عما فعله المدير يقولون: «لم نشتك وإلى أي جهة نذهب لنقدم شكوى رسمية ضد هذا التصرف؟».
****
بالمناسبة وكيل المدرسة بعد نصف ساعة من طرد المدير للطلبة فتح الباب واستدعاهم وأدخلهم وسمح لهم بالاتصال بذويهم مع تعهد بألا يقوموا بارتداء التي شيرت الأبيض، والسؤال هنا: في عهدة من كانوا خلال النصف ساعة تحت الشمس؟ ولن أقول ان أيا منهم كان معرضا للخطر ولكن لنقل ان احدهم أصيب بدوار وسقط على وجهه خاصة ان عيالنا ما شاء الله لا يؤمنون بوجبة الافطار، فمن سيدفع ثمن خطأ كان يجب الا يقع؟!
[email protected]