لم أستغرب أبدا أن يكون الشيخ عادل الكلباني لينا هادئا صاحب بال طويل ومتفتح الذهن تجاه قضايا خلافية الطابع، خاصة بعد أن رأيت له مقابلة تلفزيونية ذكر خلالها أنه كان من قراء مجلات «سوبرمان» و«الوطواط»، إذ إن تلك المجلات المصورة ومنها ما ذكره الشيخ ومنها ما لم يذكره مثل «ما وراء الكون» و«بساط الريح» و«تان تان» كان لها دور كبير في تنشئة مواليد الستينيات والسبعينيات وأوائل الثمانينيات على حب القراءة وزرعت بداخلهم شيئا من الخيال الخصب، فكان منهم العلماء ومنهم الكتاب والصحافيون وكتاب السيناريو والمخرجون المختلفون والشعراء والروائيون.
***
القصص المصورة أو ما تعرف باسم الـ comics، كانت جزءا ثقافيا مهما بالنسبة لنا نحن مراهقي الثمانينيات، لذا «لحقنا» على آخر المسرحيات المحترمة فنيا وكان للسينما دور أيضا وحيز في أذهاننا، قبل أن يأتي الفيديو ويغير بوصلة اهتماماتنا للبحث عن أشياء أخرى.
***
ذلك الجيل الذي تربى على تقبل الخيال بل وقرأ الخيال العلمي بكل أشكاله، اتجه طبيعيا بعدها إلى قراءة الكتب عشوائيا ثم الكتب المنتقاة، ثم القراءة المتخصصة، فالقصص المصورة لم تكن بالنسبة لنا سوى باب للعبور منه إلى عالم القراءة الأوسع، ناهيك عن أن تلك القصص علمتنا القراءة الصحيحة، فليس المدرسة وحدها هي التي علمتنا كيف نقرأ.
***
أغلب أبناء الجيلين اللذين ذكرتهما يجيدون انتقاء مفرداتهم جيدا عند الحديث، وأغلبهم مثقفون بالفطرة، وأعتقد انهم آخر أجيال القراءة الحقيقية.
***
لا أذكر أن من ذلك الجيل من كان منغلقا أو عنصريا أو رافضا للآخر، بل كان أكثر تسامحا وتفتحا وانفتاحا تجاه الآخر أيا كان ذلك الآخر، والسبب هو القراءة، ولا شيء آخر رغم أن أغلبنا جاء من خلفيات منغلقة نوعا ما.
***
كنا الجيل الذي بدأ القراءة وعرف الطريق نحو المكتبات وليس محلات القرطاسية، وعرف قدسية المسرح ولذة السينما بمختلف تنوعاتها، وبدأنا رحلات السفر الجماعية الأولى.
لأننا ترعرعنا في ظلال القراءة، ربما أقول ربما، كان سببا في أن جيلنا لم يعرف الردة العصبية المذهبية أو القبلية أو الفئوية التي نراها اليوم، ولم تولد بيننا ولا معنا لا «قاعدة» ولا «داعش».
***
اليوم القوانين الجديدة لا تحد من حريتك في التعبير عن رأيك، بل تحد حتى من خياراتك في القراءة، وتمنع كتبا كان مسموحا بها قبل عشر سنوات، بل الآن تمنع مقاطع وتحذف مشاهد من مسرحيات كانت قبل 30 عاما عادية جدا، فما الذي تغير سوى أننا أصبحنا لا نقرأ؟!، وهذا سبب رئيسي في الردة التي نعيشها اليوم فبدلا من أن نتقدم نعود إلى الوراء ونتقوقع مذهبيا وقبليا وطائفيا.
على أيامنا لم يكن كل هؤلاء العنصريين الذين نراهم موجودين، ولا كل هؤلاء المنغلقين.
[email protected]