حتى أنهيت المرحلة الثانوية كنت أعتقد وأظن أنني كنت مشروع موسيقي عبقري، ولكن مدرس الموسيقى بالمرحلة المتوسطة كان سببا في قتل حلمي.
وأتذكر جيدا عند انضمامي لفرقة المدرسة الموسيقية قام المدرس القائم على الفرقة بوضعنا تحت اختبارات معينة وعلى ضوئها كان يختار من يعزف الأورغ ومن يعزف على الأوكورديون والطبلة والدفوف، ومن يغني منفردا ومن يكون ضمن فريق الكورال، وأتذكر جيدا أنه وبعد أن انتهى من اختباري موسيقيا وبعد أن وجد أنني «لا صوت حلو ولا أذن موسيقية» قرر أن يجعلني عازف آلة المثلث، لك أن تتخيل، تقف طوال عزف المقطوعة الموسيقية التي يعزفها زملاؤك ودورك فقط منحصر في أن تكون بداية المقطوعة مع صوت طرقك على المثلث «دن» وتنتهي المقطوعة بطرقة «دن» أخرى، وهذا كان كل دوري، لا نوتة ولا شيء.
***
طبعا طوال الفصل الأول في ذلك العام كان مدرس الموسيقى لا يرسل أحدا غيري لإحضار كشف الغياب أو أوراق من المكتبة، فدوري في الفرقة تماما كدور ممثل الكومبارس الصامت الذي يسير في شارع مزدحم بمشهد تلفزيوني، وأتذكر انه كان اذا أراد أن يناديني أو «يطرشني» يقول للزملاء: «اندهولي الواد ابوالمثلث».
***
طبعا في الفصل الثاني قررت أن أطالب بأن أتطور موسيقياً رافضا تماما ان أكون «الواد ابو المثلث» الذي يظهر أول المقطوعة الموسيقية بـ «دن» ولا يعود للعزف إلا في نهايتها بـ «دن»، وطلبت من معلمي ان «يشوف لي» آلة ثانية غير المثلث، وللأمانة- رحمه الله- لم يُخيّب ظني وكان يعمل على مقطوعة مختلفة عن مقطوعة الفصل الاول، وقال لي «انته هتمسك السيبمال»، طبعا أغراني اسم الآلة الذي ذكره لي مدرسي- «السيمبال»- وفرحت جدا، حتى اكتشفت ان السيبمال كما شرحها لي بلهجته المصرية المحببة: «هما زي غطيان الحلة تخبطهم ببعض أول ما أأشر لك وبعدين خلاص تقعد»، والسيبمال - لمن لا يعرف الموسيقى كما اعرفها- هما القطعتان الدائريتان من النحاس فتمسك كل واحدة منهما بيد وتضربهما لينتج صوت إيقاعي يشبه «دن»، وكانت هذه مجمل علاقتي بعالم الموسيقى.
***
وكما كان حظي في الموسيقى تماما هو حظنا في الكويت بالحريات مع قانون المطبوعات والنشر الذي جاء ليحد من الحريات بشكل لا يختلف عليه اثنان، وعندما اعترضنا وطالبنا لسنوات مجالس الأمة بالتعديل ورفع سقف الحريات جاء لنا مجلس 2013 بقوانين النشر الإلكتروني والجرائم الإلكترونية والاتصالات، تماما كما لو كنا نعزف المثلث والآن نعزف السيمبال، فما كنا تقوله بالأمس القريب لا نستطيع قوله اليوم، فالحريات برأيي أنها الشيء الوحيد لدينا الذي لا يتطور.
[email protected]