حالة الحراك العامة التي تشهدها المنطقة العربية ككل منذ بداية ما يسمى بالربيع العربي أخذت شكلا فوضويا ضاعت معه بوصلة اتجاهات تحديد وجه الحقيقة، ومعها نشأت معسكرات تطرف «المع» و«الضد» إلى درجة أن الشد والجذب بين المعسكرات المتحاربة إعلاميا وكلاميا لا يمكن تشبيهه كحالة للعرض المبسط الا بالتعصب الكروي الأعمى، ففريقي على حق وفريق الآخر باطل عاطل حتى نخاع «رباط جزمته».
***
وهنا لا تضيع الحقيقة فقط بل تتوارى وسط أكوام من تبادل الاتهامات المرسلة من كل طرف، لا أحد قادرا على ضبط الاتجاهات نحو الحقيقة، والجميع شركاء، من أيّد «الضد» منهم أو من عارض «المع»، إلى درجة يصل معها إلى لي أعناق الحقائق من كل طرف بل إذا استلزم الأمر نحر أعناق الحقائق من الوريد إلى الوريد عن سابق تصور وتصميم فقط من أجل تأكيد خطأ الطرف الآخر.
> > >
وفي هذه الحرب العربية الكلامية المقدسة الكل بطبيعة الحال خاسرون، والأوطان هي التي ستدفع فاتورة هذه الحرب «والحساب بيجمع».
بعد عشر سنوات من الآن على أقصى تقدير سيكون أرشيف تلك الحرب الكلامية متكدسا في كل طرق العلاقات سواء بين أبناء الوطن الواحد أو بين الأشقاء من بلدين دخلا لبعض الوقت في هذه الحرب، أرشيف سيكون من الصعب محوه أو تجاوزه في ظل ذاكرة إنترنتية حاضرة لا تنسى، أرشيف الحرب الكلامية العربية المقدسة تلك ستكون وقائعها كأشباح تطاردنا لسنوات طويلة قادمة بجمل مفاتيحها تبدأ بـ «قلتم عنا» و«اتهمتمونا بكذا وكذا» و«ذكر شاعركم أننا... كذا وكذا».
***
في ظل ذاكرة الإنترنت الحاضرة الحية «اليوتيوب وأبناء عمومته» ستبقى وقائع الحرب الكلامية المقدسة وان انتهت حية شاخصة تعيش بيننا وإن تصالحنا أو تجاوزنا أو تسامحنا وستكون كشرارة تحت رماد الصلح تنتظر من ينبش عنها ليشعل حريقة ما في مكان ما وزمن ما.
[email protected]