كنت ولم أزل من عشاق المكتبات، المكتبات وليس محلات القرطاسية، وهناك خلط عظيم بينهما للأسف، في العام ١٩٩٠ في القاهرة كانت رحلتي الأولى بعد وصولي اليها بيوم هي زيارة محلاتي المفضلة أو بالأصح مكتباتي في سور الأزبكية.
هناك حيث جنة عشاق الكتب، في العام ١٩٩٠ قبل ترسيم الازبكية وتنظيمها بسنوات كان الدخول اليها بالنسبة لي كالدخول الى مغارة علاء الدين، رحلة تبدأ من مجلات سوبرمان مرورا بالأعداد الاولى من الصحف المصرية القومية وانتهاء بإعداد نادرة من ناشيونال جيوغرافيك تعود الى الخمسينيات.
***
كنت أقضي بين أربع وخمس ساعات أتجول وأنتقي، مما أذكره ان الباعة كانوا حالما يرون سحنتك الخليجية يقومون بعرض كتب ممنوعة في بلادنا، وكان اغراء المنع يدفعنا الى الشراء.
كثير من تلك الكتب الممنوعة ذات عناوين جاذبة، طبعا غالبيتها تهاجم الأنظمة الخليجية وتدعي أنها تكشف خبايا وخفايا قصور الحكم أو تتناول وقائع سياسية سرية لم تدوّن، وكغيري من «الخلايجة» كنا نقتنيها ونذهب بها الى الفندق فرحين بهذا الكسب، حيث يتملكنا اعتقاد بأننا سنتمكن من معرفة حقيقة ما يحدث في بلداننا ونكشف ما تخفيه عنا حكوماتنا ثم ننهل بالقراءة ليتكون لدينا شيء من القناعات «المزيفة» حول أوضاع بلداننا، وأقول مزيفة بل وكاذبة ومحض افتراء لسبب هو أنني عثرت بالأمس وبالمصادفة على احد هذه الكتب التي لا أزال أحتفظ بها منذ أبريل ١٩٩٠ ويتناول ما يسميه مؤلف ذلك الكتاب الاستبداد الخليجي في الحكم.
***
اذكر أنني قرأت الكتاب عندما اشتريته وكما ذكرت تكونت لدي بعض القناعات يومها وتأثرت بما ورد فيه وحنقت على الحكومة والأنظمة الخليجية، وكان من بين عشرات من الكتب على شاكلته التي مرت بها عيناي عندما كنت صغيرا.
واليوم عندما أعدت قراءة ذلك الكتاب «الممنوع» على عجالة وجدت انه يخلو حتى من المصادر الموثوقة أو المراجع المعتمدة لبعض الحوادث التي وردت فيه، بل ووردت فيه أسماء بالتدقيق عليها اليوم وجدت انها أسماء شخصيات وهمية لا وجود لها بل ويخلو الكتاب من الترابط التاريخي المنطقي لسرد كثير من أحداثه التي وردت به.
***
هذا الكتاب وغيره من الكتب «الممنوعة» أو الكتب «المحرمة» يشبه تماما البرامج الوثائقية الجديدة التي تبثها قناة الجزيرة مؤخرا والتي تتناول بعض الأحداث في الخليج، وأنا هنا أتحدث لا بصفتي كاتبا بل أتحدث كمقدم ومنتج برامج وثائقية، وأعلم يقينا أن ما بثته القناة على الأقل في آخر ٥ أو ٦ برامج وثائقية تناولت وقائع في الخليج تخلو تماما من أبسط المعايير المهنية في مثل هذه البرامج، فهذه البرامج التي يفترض ان تعتمد على التحقيق الاستقصائي بهدف الوصول الى الحقيقة وليس توجيه الاتهام، ولكن ما فعلته الجزيرة في برنامج «ما خفي أعظم»، انحدر إلى جمع أدلة اتهام وشهادات موجهة معتمدا على مصادر مشكوك بأمرها.
***
للأسف «الجزيرة» لم تفعل في برنامجها ذلك سوى إعادة إنتاج الكتب المشوهة الممنوعة وصدرتها كبرنامج بصري لا أكثر ولا أقل.
من ابسط الملاحظات ان الإعلامي المنصف يمكنه ان يكشف أن جزءا من المعلومات والمواد الفيلمية كان مصدرها استخباراتيا وليس نتيجة تحقيق استقصائي حقيقي، لذا في عرف الإعلاميين مثل هذا البرنامج سقطة كبيرة جدا.
[email protected]