الشعر ومنذ ما قبل التدوين، والشاعر الحقيقي يفرض نفسه بجودة شعره بأصالة فكرته ومعانيه.
ومع بداية تدوين الشعر بالكتب والصحف نهاية الستينيات ظهرت عشرات الأسماء لشعراء بدرجاتهم المبدع والجيد والرديء، وانتهت حقبة الكتب سريعا واختفى أنصاف الشعراء وبقي الشعراء الحقيقيون.
ثم جاءت الصفحات الشعبية وجاء جيل مختلف وكثر حملة لقب شاعر، وكل المسألة قصيدة وصورة ومقدمة جميلة لقصيدته من المعد، ومعها امتلأت الساحة بأسماء يحملون لقب شاعر ولكنهم لا يحملون من الشعر شيئا، ومع هذا عندما انطفأت شمس الساحة الشعبية في العام ٢٠٠٠ اختفى المتسلقون وبقي الشعراء الحقيقيون.
فقد مات نجوم الساحة وانطفأ شعرهم وحضورهم وبقي فقط نجوم الشعر.
واليوم مع ثورة وسائل التواصل الاجتماعي، لا يكاد يمر عليك مقطع فيديو الا لشاعر يلقي بيتا او بيتين او حتى ثلاثة بمونتاج سينمائي وخلفية موسيقية، ووجدت ان شعراء التواصل الاجتماعي يكررون كارثة خلط الجيد بالرديء، وان الناس تنخدع بالصورة والتأثير البصري الى درجة يعتقدون ان ما يقوله هذا الشاعر او ذاك في مقطع الفيديو شعرا جيدا، في حين ان معظم بل ٩٠% مما يمر من شعراء مقاطع الانستغرام وتويتر ليسوا بأكثر من «كلامنجية»، يلقون شيئا يشبه الشعر والشعر منه براء.
وهؤلاء سيختفون كما اختفى نجوم الساحة الشعبية الورقية، ولن يبقى سوى الحقيقي ولن يعبر للمرحلة المقبلة سوى الجيد، ولن يذكر الناس سوى من كان إلى الشعر اقرب، أما «المتميلحون» وراكبو الموجة فسيتساقطون كما يتساقط الفراش على ضوء النار، والسبب لأنهم يبحثون عن الأضواء ولكنهم لا يصنعون الأضواء كما يفعل الشعراء الحقيقيون.
الغريب ان من يصدر نفسه عبر وسائل التواصل الاجتماعي غالبيتهم يقدمون شكلا من أشكال الشعر غير العميق ربما لكون اهتماماتهم بشكلهم اكثر من اهتماماتهم بما يقدمونه من شعر.
عامة في كل تلك المراحل التي ذكرتها بقي الشعراء الحقيقيون واما ما عداهم ممن امتهنوا الشعر فقط طواهم النسيان.
هنا لا اقلل من شأن الشعراء الانستغراميون او غيرهم فهم يقدمون بالنهاية مادة ترفيهية ولكنها مادة لا تمتلك من العمق ما يمكنهم من الاستمرار حتى المرحلة المقبلة وسينساهم الناس كما نسوا شعراء نجومية الورق.
[email protected]