لا أعتقد أن شخصا عاقلا منصفا يدخل مستشفى لتلقي العلاج إلا لضرورة حقيقية دفعته لأن يلقي بجسده المنهك في المستشفى يوما أو يومين أو حتى أسبوعا بحسب حالته وتقرير الأطباء، وأطباء المستشفيات الحكومية لا يجاملون في بقاء المريض أكثر مما تستدعي حالته الطبية، و«بشخطة قلم» يكتبون له ورقة خروج من المستشفى.
***
طبعا كثر الحديث عن احتلال الوافدين لأسرّة المستشفيات الحكومية، خاصة مع تنامي نبرة كراهية الوافدين ليس في الكويت وحدها ولا الخليج بل في العالم أجمع بدءا من أميركا وأوروبا التي «تتيامن» يوما بعد آخر، بل العالم كله يتجه نحو تنامي النفس اليميني بشكل غير قابل للتفسير.
***
ووجدت أن الحديث عن احتلال الوافدين الأسرّة كيف انه يؤدي إلى حرمان المواطنين «أولاد البلد» من الحصول على الخدمة الصحية، رغم أن الخدمة الصحية قانونا ودستوريا مكفولة للاثنين بذات الدرجة مع فارق بسيط في التطبيق، وإن كان المسؤول عن نقص الأسرّة وعدم توافرها أحيانا هو الحكومة نفسها، ليست الحكومة الحالية، بل الحكومات السابقة المتعاقبة السابقة وسابقة السابقة وسابقتها التي لم تقم ببناء مستشفيات جديدة وتوسع المستشفيات بحسب الزيادة الطبيعية في عدد السكان سواء كانوا مواطنين أو غيرهم.
***
لماذا أكتب ما كتبته، لأنه قدر الله علي ودخلت مستشفى الجهراء، ووجدت أن في الجناح حيث تم إيداعي عددا من الوافدين أغلبهم مصريون، الأول يعاني من اختلال في الدماغ نتيجة حادث مروري، أي انه لم يختر أن يمرض نفسه ويصبح شبه عاجز حتى يتمتع بجنة سرير طبي متر في مترين، والثاني شاب ثلاثيني أدخل المستشفى مع طفليه الصغيرين بعد أن تعرضوا لحادث مروع في السيارة التي كانوا يستقلونها واصطدم بهم سائق سيارة مسرعة، يعني هو لم يختر إصابته وحتما لم يختر إصابة فلذات أكباده حتى ينعم بإبرة أو سرير، لأنه «منى عينه» الخروج وقبلها شفاء ابنه المتبقي الوحيد من ضحايا الحادث بعد أن شافاه الله وابنه الأول، أما الثالث فحارس أمن عشريني سقطت على رأسه حديدة أثناء تأدية عمله وأصيب في دماغه ما أدى إلى إصابته بشلل كامل وتحول من شاب رياضي يافع إلى عاجز.
هذه نماذج لوافدين «منومين» في مستشفى حكومي بجانبي ومعي ويمكن القياس عليها، ولا احد منهم موجود «سفلقه».
فتوقفوا الله يرحم والديكم عن تنامي النفس المناهض للوافدين، فهم بشر حالهم حالنا وحالهم حال التشيكيين والمكسيكيين والأميركيين، فيهم الزين وفيهم غير هذا، على الأقل عدم استخدام نبرة يحتلون المستشفيات لأنها عيب ولا تليق بنا ككويتيين.
***
توضيح الواضح: أن تكون طبيبا قياديا جيدا فهذا شيء طيب، ولكن أن تدمج العمل الفني والطبي بكثير من الإنسانية فهنا تصنع حالة إداري متميز، حارس الأمن العشريني المصري الذي ذكرت قصته أعلاه كان يعمل حارس أمن في مستشفى الجهراء وتعرض لحادثة سقوط الحديدة على رأسه في المستشفى، يومها أمر مدير المستشفى د.علي المطيري بأن تقدم له أعلى مستويات الرعاية، ليس لأنه حارس أمن في المستشفى، بل لأنه كان معروفا بين عامة العاملين في المستشفى والطاقم الإداري والإشرافي خاصة بأنه طيب جدا، بل إن قصته مأساوية إذ تحول من شاب رياضي سليم معافى إلى مشلول بالكامل.
توضيح الأوضح: ليست المرة الأولى التي أكتب فيها عن د.علي المطيري، ولكن بين الأولى والحالية سنتين ونصف السنة بحسب ظني، ومع تطور العمل في مستشفى الجهراء يثبت انه طبيب إداري إنساني ناجح جدا.
[email protected]